* لم تثر قضية فصل القيادي البارز في حركة فتح محمد دحلان من عضوية مركزية الحركة جدلاً كبيراً داخل فتح وحسب، لكنها باتت تشكل محركا رئيسيا لإثارة نعرات فئوية ومناطقية داخل الحركة نفسها، باعتبار دحلان يشكل عنواناً بارزاً وممثلاً لقطاع غزة داخل حركة فتح. وقد تجلي دعم فتحاويي غزة لدحلان بعد فصله، إذ رفض معظم كادر فتح في قطاع غزة القرار، بينما تعرض آخرون من رجاله للاعتقال في الضفة الغربية، خاصة أن قياديون بارزون في فتح في القطاع لم يخفوا وقوفهم إلي جانب دحلان في معركته المتواصلة التي تستهدف تصفيته سياسياً علي حد قولهم، ويري هؤلاء أن استهداف دحلان إنما هو استهداف لقطاع غزة بالكامل، وفصله من اللجنة المركزية يمثل وصمة عار، فضلاً عن أنه باطل وغير قانوني، ويزيد من ألم وحسرة أهل القطاع هذا الشعور المتنامي باستهداف فتحاويي غزة. يخوض دحلان الذي قرر العودة إلي رام الله متحدياً قرار فصله ومسلحاً بعضويته في المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي يوفر له الحصانة، نضالاً داخل فتح لرد التهم الموجهة إليه ومواجهة عباس بوصفه رئيساً لحركة فتح الذي اتخذ قراراً بفصله من الحركة في 12 من يونيو وإنهاء أي علاقة رسمية له بها وإحالة القضايا التي تخصه سواء كانت جنائية أو مالية إلي القضاء الأمر الذي طرح عدة تساؤلات داخل أعضاء الحركة وخارجها: لماذا الآن؟ وفي هذه المرحلة؟ لماذا انتفض عباس بوجه دحلان بهذا الشكل وفي هذا التوقيت؟ وكيف يتسني له مواجهة دحلان المعروف بعلاقاته المحلية والإقليمية والدولية؟ وما طبيعة الاتهامات الموجهة لدحلان وأدت إلي فصله علي هذا النحو؟! إن أسباب الأزمة بين دحلان وعباس وانقلاب عباس وغضبه الشديد من دحلان ودفعه لاتخاذ قرار جريء وحاسم بتصفية دحلان وذيوله في حركة فتح ترجع لسببين: الأول: المعلومات التي تناهت إلي سمع عباس بطرق مختلفة مؤداها أن دحلان يشكك في أهلية عباس وقدراته وكفاءته، بل ويصفه بالرجل الضعيف والمتردد، ويطالب بتغييره، ويطرح ناصر القدرة كبديل له، معدداً مزايا الأخير التي تدفعه لترشيحه. أما الثاني: فهي حملة التشهير والاتهام التي قادها دحلان ضد الرئيس عباس ونجليه والتي بلغت جرأة غير مسبوقة أو معهودة، تحدث فيها دحلان أمام كوادر فتحاوية، وفي لقاء جمعه برئيس مونتجرو "الجبل الأسود" ووجه فيها دحلان نقداً لاذعاً ومسيئاً لعباس، لدرجة وصفه بأنه رجل تافه وفاسد، يمارس الفساد عبر نجليه ياسر وطارق اللذين يطوف بهما ويأخذهما معه في جولاته الخارجية بقصد تسويقهما وفتح آفاق لهما لتوسيع تجارتهما وأعمالهما، وهما اللذان وصل تسجيلها بصوت دحلان إلي الرئيس محمود عباس "أبو مازن" وأثاره إثارة شديدة. وكانت الرسالة الأخيرة التي وجهها دحلان إلي أبو ماهر غنيم رئيس لجنة التحقيق معه، ويفضح فيها دحلان ممارسات السلطة تحت قيادة عباس والتشكيك العلني والصريح في ذمته المالية من خلال إثارة علامات استفهام حول صندوق الاستثمار الذي تركه الرئيس الراحل ياسر عرفات في ذمته، ويقدر بملايين الدولارات إلي أين ذهبت هذه الأموال؟ فكانت هذه الرسالة بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وعجلت في نهاية دحلان بلا رجعة مهما كانت نوع الوساطات لاحتواء الموقف. يقول دحلان: "إن لجنة الرقابة الحركية في المجلس الثوري لحركة فتح الذي هو مخول بالبت في مسألة فصله، رفضت القرار، ومن هنا يعتبر في اللجان المركزية يردون عليه فإن القانون يخول اللجنة فصل أي من أعضائها من دون العودة إلي المجلس الثوري، وهنا تكمن الإشكالية السياسية والقانونية كلتاهما معاً، فيما يعتبر صحيحاً في عملية فصل دحلان من الحركة، مما دعا إلي تصاعد الأمر وتشكيل محكمة حركة فتح التنظيمية التي تنظر في قرار الفصل ضد دحلان وتحويله إلي النائب العام بتهمة الفساد المالي وقضايا القتل. ورغم اقتناع دحلان ببراءته بدليل أن لجنة الرقابة وحماية العضوية في المجلس الثوري لفتح أصدرت قراراً بالإجماع يقضي بأن قرار اللجنة المركزية غير شرعي وغير قانوني وغير دستوري، فإن أصداء القرار علي دحلان ومؤيديه مازالت كبيرة ومتوالية، خاصة أنه لا نية للتراجع عن قرار فصل دحلان، غير أن هذا القرار الذي اتخذ غيابياً بحق دحلان لأنه رفض المثول أمام لجنة التحقيق يسقط تلقائياً في حال مثوله أمام لجنة التحقيق، وكأنه لم يكن، وهذا لا يعني أن دحلان بريء أيضاً مما وجه إليه من تهم، ولا يشكل تراجعاً كما يحلو للبعض وصفه، بل هو سيخضع للتحقيق الذي قد يطول، وستظل عضويته في اللجنة معلقة إلي أن تنتهي اللجنة من تحقيقاتها التي ستشمل أيضاً عدداً من المسئولين المقربين منه، ويظل قرار الفصل قائماً حتي يمثل دحلان نفسه للجنة التحقيق.