عندما يغادر المصري بلده ويعمل في دولة أخري، يكون مثالا للانضباط والجدية والإجادة في العمل.. بينما في بلده يكون علي النقيض تماماً مثالا للتراخي والاتكالية والاستهتار.. في الخارج يحترم إشارة المرور، لا يتصرف بحماقة في الشارع أو المكتب أو أمام الآلة.. لست أدري ما سبب هذه الازدواجية وهذا الانفصام.. ليس كل المصريين ولكن الكثير منهم. لقد أصدرت الغرفة التجارية الأمريكية في القاهرة مؤخراً بعد ثورة 25 يناير تقريراً اقتصادياً نقلاً عن الكاتب الكبير محسن محمد في جريدة "الجمهورية" يقول التقرير: إن أكثر ما يحتاجه المصريون حالياً هو الإنتاج وليس العدالة الاجتماعية، وأشار التقرير إلي أن العامل المصري ينتج القميص الواحد في مدة تتراوح ما بين 6 و7 دقائق.. بينما ينتجه العامل السيرلانكي أو البنجلاديشي في 4 دقائق فقط وبسعر أقل.. وهذا يعني أن إنتاجية العامل المصري أقل بكثير من إنتاجية نظيره في دول أكثر فقراً وأقل نمواً عن مصر.. إذا كان الحال كذلك مع هذه الدول.. فما هو الحال عندما نقارنه بإنتاجية العامل الأوروبي.. المؤكد ستكون "الوكسة" كبيرة. المؤكد أن الإضرابات الفئوية ولهم الحق في القيام بها ولكن مطالبهم لا يمكن تحقيقها بين يوم وليلة.. لا يمكن أن تتحقق ونحن نعطل الإنتاج ونوقف عجلة الآلة عن العمل. نحن نحتاج إلي مناخ اقتصادي صحي والاهتمام الملح بالتدريب بكل اشكاله وتدريب فني علي أعلي مستوي.. تدريب علي رأس العمل.. الاهتمام الكافي بمناهج التدريب في كل المواقع. رجال الأعمال يصرخون ويطالبون بالعمالة الفنية المدربة ولكنها شحيحة وقليلة ولا تلبي طلبات المستثمرين.. هناك نقص شديد في العمالة الفنية العالية ورجال الأعمال يعانون من هذه الظاهرة فيضطرون إلي ارجاء افتتاح مشاريع جديدة أو إقامة توسعات لمشاريع قائمة ويؤكد علي ذلك خالد فتح الله نائب رئيس الغرفة التجارية بالاسكندرية من خلال أحد تصريحاته بأن العمالة الفنية نادرة الآن، وعندما تعلن عن طلب عمالة يتقدم إليك الآلاف ولكن أعداد قليلة جدا منهم عمالة جيدة والباقي عمالة عادية تحتاج إلي فترة من التدريب والتعليم. تجربة جميلة يجب الاشادة بها من خلال قيام احدي الشركات الفرنسية للصناعات الالكترونية بعمل شراكة مع مدرسة جلال فهمي الفنية وقامت الشركة الفرنسية بتجهيز ورشة متكاملة للكهرباء في المدرسة وأقامت دورات تدريبية للمدرسين والطلبة والخريجين ونجحت التجربة وزاد الاقبال علي الالتحاق بقسم الكهرباء. التعليم الفني في مصر حاليا حالته متردية والطلاب يعزفون عن الالتحاق به.. لدينا في مصر أكثر من 500 مدرسة صناعية.. لماذا لا تحذو بعض الشركات المصرية أو رجال الأعمال حذو الشركة الفرنسية وعمل شراكة مع أي مدرسة فنية صناعية واقامة ورش في أحد التخصصات في الخراطة، في النسيج، في الالكترونيات، في النجارة، في السباكة.. وانني علي ثقة من نجاح هذه التجربة وسيقبل عليها الطلبة وفي هذه الحالة يكون لدينا عمالة فنية مدربة علي درجة واعية من الاجادة. الصناعة المصرية تمر بمرحلة خطيرة والتصدير في مهب الريح ودول أخري كثيرة سبقتنا بمراحل كبيرة.. الحقوا الصناعة قبل فوات الأوان وقبل أن نبكي علي اللبن المسكوب.. وكفي ضحكا علي الدقون لأن الأمور باتت مكشوفة ومعروفة وليست كيمياء. ** السجين عبدالله محمود عبدالله أضرب عن الطعام في سجن وادي النطرون لمدة 33 يوما وطالب بنقله إلي مستشفي سجن طرة أو مستشفي شرم الشيخ لأن حالته الصحية تشبه حالة المواطن محمد حسني مبارك الذي حكم مصر 30 عاما بالقهر والظلم والقمع. تقدمت شقيقة السجين ببلاغ للنائب العام تطالب فيه بنقل شقيقها لمستشفي السجن. وقد رفضت إدارة السجن طلب الأسرة بنقل السجين للمستشفي. وأعتقد أن طلب السجين مقبول ولا غرابة فيه لأن المساواة في الظلم عدل.. وكيف يعامل مواطن معاملة خمس نجوم في العلاج والضيافة والأكل والشرب والرعاية المتكاملة وآخر يحرم من العلاج وأي رعاية طبية. نحن متساوون كمواطنين أمام القانون فلماذا هذه التفرقة؟ نحن نفرق بين حسني وعبدالله.. أسرة السجين تحمّل المجلس العسكري ورئيس الوزراء المسئولية في تردي صحة عبدالله وتهدد باللجوء للاتحاد الأوروبي والمطالبة بالمعاملة بالمثل اعتقد عبدالله أنه بعد ثورة 25 يناير وسقوط حسني مبارك ونظامه الفاشي أن العدالة والحرية والمساواة سينعم بها وجميع المصريين. ولكن يبدو أن العدالة معصوبة الأعين مكتوفة الأيدي. لك الله يا عبدالله فالماء مازال لا يجري في العالي.