يبدو أن المرحلة القادمة هي مرحلة الفتاوي الدينية لأهداف سياسية.. وأن المسلمين سوف يستمعون إلي العديد من الفتاوي التي سيختلط فيها حكم الشرع مع الأفكار والأمنيات الشخصية..! فمنذ أن بدأت ظاهرة انتحار بعض الشباب العربي تقليدا للشاب التونسي محمد البوعزيزي وهناك العديد من الفتاوي الدينية التي ظهرت علي الفضائيات وفي بعض المواقع الاليكترونية تبرر الانتحار حرقا، بل تطالب شباب الدول الإسلامية بإحراق أنفسهم والخروج علي الحكام والثورة في بلادهم لتغيير الأنظمة الحاكمة واعتبار ذلك نوعا من الجهاد وليس نوعا من الانتحار..! وكان العلامة الشيخ يوسف القرضاوي هو أول من أثار هذا اللبس والاختلاف وفتح الباب أمام تأويلات واجتهادات أدخلت السياسة في الدين والدين في السياسة بحيث أصبحت الفتوي الدينية في قضية الانتحار حسب الطلب والتوجهات السياسية. فالشيخ القرضاوي لم يحرم في فتواه علي الشاب بوعزيزي الانتحار تحريما قطعيا لأي سبب كان ولم يتناول القضية كما تناولها الأزهر الشريف في التأكيد علي أنه ليس للإنسان أن يزهق روحه كأسلوب للتعبير عن ضيق أو احتجاج أو غضب. ولكن الشيخ القرضاوي بدلا من ذلك وفي سياق دعوته إلي الثورة علي حكم الطغاه، كما تحدث عن تونس فإنه علق علي حالة الشاب التونسي المنتحر بأنه كان في حالة غير المالك لإرادته تماما داعيا المسلمين إلي أن يشفعوا له ويدعوا الله أن يعفو عن هذا الشاب لأنه تسبب في هذا الخير للأمة، وفي إنقاذ بلاده وإشعال هذه الثورة. وما قاله الشيخ القرضاوي خطير ومحير، وإن كنا لن نناقش ما قاله فقهيا ودينيا من منطلق أنه الأكثر علما ودراية وأنه مسئول عما قاله حتي وإن كان قد حاول التخفيف لاحقا بالقول إنها لم تكن فتوي وإنما تعليق، إلا أننا نتحدث عن قضية أهم وهي المتعلقة بتوظيف علماء الدين فتاواهم لأهداف سياسية، فهي قضية لا تتوقف عند حدود انتحار شخص وإنما تتعدي ذلك لمستقبل الأمة الإسلامية كلها. فالقرضاوي أيضا هو نفسه الذي وقف في خطبة الجمعة الماضية في الدوحة عاصمة قطر ليفتي بحرمة ضرب المتظاهرين ويطالب أجهزة الأمن بعدم طاعة الأوامر بالتعرض للمتظاهرين مصداقا لقول الرسول بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وهي فتوي تفترض أن المتظاهرين هم الذين علي الحق ومن سواهم علي الباطل، وهي إتهامات وافترضات لا تعني إلا الفوضي والتوقف عن حفظ الأمن والاستقرار ودعوة إلي عدم الالتزام بالقوانين وأن يكون للشارع حرية أن يفعل ما يريد. وما يقوله القرضاوي وغيره هو خلط غير بريء بين الدين والسياسة، فنحن حين ندعو علي سبيل المثال إلي احترام إرادة الجماهير في حق التعبير أو في الخروج إلي الشوارع للتظاهر وندعو رجال الأمن إلي التعامل الحضاري معها فإن هذا لا يعني أن أصحاب هذه المظاهرات علي حق دائما أو أننا نساند قضاياهم، ولا نفعل ذلك لإبعاد دينية لأن هذه المظاهرات لا تنطلق علي أساس ديني أو لخدمة أهداف دينية، وانما نفعل ذلك لإيماننا بأن هذا هو جزء من الممارسة الديمقراطية وشكل من أشكال التعبير، ولا علاقة لذلك بالجهاد أو الثورة علي الأنظمة الكافرة كما يحاول البعض إضفاء الشرعية الدينية علي هذه المظاهرات. إن التلاعب بشباب الأمة الإسلامية من خلال هذه الفتاوي الدينية السياسية سوف يوجد حالة جديدة من الضبابية وانعدام لرؤية لدي الشباب وسيؤدي إلي مزيد من الاحتقان الذي سيدخلنا في دوامة من الفتي الطائفية والمذهبية وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي. إننا جميعا نبحث عن التغيير وعن الإصلاح، ولكنه التغيير الذي يجب أن يكون للأفضل والذي يضمن حفظ دماء الجميع بعيدا عن مفاهيم مثل الانتحار وقتل النفس بغير حق.