في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 1929 شهدت الأسواق المالية الأمريكية انهيارا مدمرا حيث انصهرت أمام أعين ملاك الأسهم ثرواتهم مثلما انصهر حديد برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر ،2001 وحسب وصف الاقتصادي الأمريكي هيلبرونر ذابت الثروات أمام أعين السماسرة كما تذوب الحلوي الهشة "غزل البنات" وتلاشي ما مقداره 50 مليار دولار من هذه الثروات خلال أربع سنوات أي ما يعادل نصف الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الذي كان يقدر سنة 1929 بحوالي 103،6 مليار دولار بعد هذا الانهيار المفاجيء دخل الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود طويلة استمرت حتي عام 1940. الاقتصادي الأمريكي فريدمان الحائز علي جائزة نوبل عام 1976 ومؤسس شيكاغو اسكول انتقد دور البنك الفيدرالي الأمريكي في تعميق آثار الأزمة الأمريكية عام 1949 والتي أدت إلي حدوث الكساد العظيم للاقتصاد الأمريكي وبالتبعية الاقتصاد العالمي في تلك الفترة حيث بين في دراسة له عام 1971 أن القرارات الخاطئة للبنك الفيدرالي في إدارته للسياسة النقدية أدت إلي تفاقم الأزمة وحدوث الكساد وزيادة معدلات البطالة مع انخفاض في الطلب علي الاستهلاك سواء الاستثماري أو الاستهلاك السلعي مما أدي إلي موجة من انهيارات البنوك في أواخر عام 1930 واشهار افلاس مجموعة كبيرة من الشركات زادت من حدة التراجع للنشاط الاقتصادي الأمريكي وانهيار النظام البنكي. تذكرت ما سبق عندما أعلن البنك المركزي المصري تقريره الشهري والذي يوضح ارتفاع صافي الاحتياطيات الدولية إلي 34،7 مليار دولار في نهاية ابريل وبعد اضافة 3،3 مليار دولار في شهر ابريل الماضي ثم إلي 35،1 مليار في نهاية مايو بما يغطي واردات سلعية لفترة تصل إلي 9 أشهر. السؤال هنا ما أهمية الاحتياطيات الدولية في ضبط ايقاع السياسة الاقتصادية وتحقيق المرونة الكافية لمواجهة الأزمات العالمية والمحلية؟ من الملاحظ أن تغطية تلك الاحتياطيات لقيمة واردات سلعية لمدة 9 أشهر فترة كافية لمواجهة الاستهلاك المحلي من السلع الأساسية للنشاط الاقتصادي المصري مما يعمل علي الحد من تأثير الأزمات واستقرار معدلات النمو الاقتصادي فضلا عن مواجهة الآثار التضخمية لارتفاع الأسعار التي تؤدي إلي تآكل الدخل للمواطن المصري لذلك فإن وجود الاحتياطيات الدولية يساعد في انخفاض المستوي العام لأسعار السلع الاساسية علي الرغم من وجود آثار سلبية علي الصادرات المصرية للسوق الأوروبية لارتفاع قيمة العملة المصرية مقابل اليورو إلا أنه يمكن الحكومة من تغطية الواردات وتخفيض الضغوط التضخمية علي المواطن المصري باستيراد السلع الاساسية من الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من انخفاض عملته الموحدة مما يؤدي إلي انخفاض تكلفة فاتورة الاستيراد من السلع الاساسية وتوفيرها بأسعار منخفضة خلال الشهور القادمة مثل رمضان ومستلزمات المدارس وبداية فصل الشتاء من خلال تفعيل اتفاقية الشراكة الأوروبية المصرية. فإذا تناولنا الأزمة الأخيرة لدولة اليونان والتي أدت إلي حدوث موجات من الانهيار في أسواق المال العالمية وخاصة الأوروبية وبالتبعية انخفاض قيمة اليورو "العملة الموحدة" للاتحاد الأوروبي مقابل العملات العالمية مثل الدولار والين مما أثر علي الوضع الاقتصادي للاتحاد في توزيع الخريطة الاقتصادية العالمية وارتفاع مخاطر الاستثمار في دولة سنجد أنها كانت نتيجة عدم قدرة الحكومة اليونانية علي إدارة السياسة الاقتصادية وخاصة السياسة النقدية مما أدي إلي تفاقم العجز في الموازنة اليونانية ووصول الاقتصاد إلي حافة اشهار افلاسها لزيادة المديونية بصورة كبيرة وعدم القدرة علي الوفاء بالتزاماتها الخارجية لعدم نجاح الحكومة اليونانية في تكوين احتياطيات كافية لمواجهة تلك الأزمة التي بدأت تعصف باقتصاد دول الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا التي أوشكت علي مخاطر عالية غير محسوبة مثل التأثير علي قرارات المستثمرين وتوجهات دوائر الاستثمار العالمية ومراجعة قراراتهم المستقبلية نحو الاستثمار في القارة الأوروبية كما تنبأ الاقتصادي البارز بول كورجمان الحائز علي جائزة نوبل بمزيد من الاضطرابات للعملة الأوروبية وتوقعه بأنها سوف تعصف بحجم التجارة لأوروبا الموحدة خاصة أن 70% من تجارة الاتحاد الأوروبي بين اعضائه مما يؤدي إلي انخفاض الطلب علي الاستثمار والاستهلاك داخل الاتحاد.. وبالتالي فإن نجاح البنك المركزي المصري في إدارة السياسة النقدية وقدرته علي توظيف السيولة النقدية لتلك الاحتياطيات يؤدي إلي تجنب الآثار السلبية للأزمة العالمية الحالية، من خلال ضبط إيقاع السياسة النقدية وربطها بالقدرة والكفاءة في إدارة الاحتياطيات النقدية مما يساعد علي تجنب الأزمات، فالكفاءة في إدارة محفظة الاحتياطيات وتقليل المخاطر