في زيارة لدار الكتب بباب الخلق، فوجئت بأن هناك بعضا من مقتنيات جمال عبدالناصر ليضمها متحف المكتبة، وفوجئت بأن من ضمن ما أهدته الدكتورة هدي عبدالناصر إلي دار الكتب، بعضا من كتب الزعيم وبعضا من أشيائه الخاصة من ضمنها عدد من البيجامات الصيفي مصرية الصناعة والتي قام بتفصيلها حسين جنيد والد رجل الأعمال محمد حسنين جنيد، وهي من البوبلين المقلم، القطن المصري الخالص، وكان ثمن الواحدة في تلك الأيام القديمة لا يزيد علي جنيهن فقط لا غير، هي ناعمة الملمس، مريحة للغاية، ولأني ممن يدمنون الملابس القطنية لذلك صرت أبحث عن مثيلاتها في كل أنحاء مصر المعمورة ولا أجدها، فأترحم علي أيام أن كانت المحلة الكبري ومصانع البيضا تنتج مثل هذا القماش. فكرت للحظة في أن أستأذن من يقوم بصيانة البيجامة وتجديدها لتبقي في المتحف، فكرت في أن أقترضها منه، وضحكت لنفسي حين تذكرت أياما قديمة كان الفنان جودة خليفة رحمه الله يعمل في متحف مصطفي كامل، وقام جودة بارتداء بدلة مصطفي باشا كامل وقميصه الحريري، وترك المتحف ليشرب كوبا من الشاي في مقهي ريش، وحذره أحباؤه من خطورة ما فعل، لأن هذا تبديد في ثروة مصر، وضحك جودة يومها بعنف شديد، متذكرا أنه من أوائل من استفادوا بقانون الإصلاح الزراعي فوالده هو من أوائل من حصلوا علي خمسة أفدنة من يد جمال عبدالناصر، وأعاد جودة بدلة مصطفي كامل إلي مكانها ولم يكرر تلك الفعلة إلي أن استقال ليرسم في مجلة أكتوبر. أخذت طوال الأسبوع الماضي أبحث عن بيجامات قطنية خفيفة بكمين كاملين، فلم أجد، وسمعت خلال رحلة بحثي حكايات لها العجب عن اختفاء البوبلين المقلم، تماما كاختفاء الكستور المقلم، وكان كل من القماشين سمة مصرية أساسية، فكرت أن أرفع شكوي للدكتور محمود محيي الدين الذي يقوم حاليا بضخ مليارات لاحياء المصانع التي سبق تجفيفها، بعد أن آمن معي بأن حكاية الخصخصة كما جرت أحداثها في الحكومة السابقة لم تكن علي ما يرام، ولعله يتذكر حكاية واحدة، وهي حكاية البيع بالأمر المباشر لأراضي المحالج المطلة علي النيل لشركة واحد من المستثمرين الذي "ذاغ" من مصر مدعيا أنه تعذب كثيرا في دهاليز الاستثمار، وصار د. محمود محيي الدين يؤمن حاليا أن الخصخصة مثلها مثل التأميم مثلها مثل التعاونيات، كلها وسائل إلي هدف محدد هو خدمة المواطن والاقتصاد. ولما لم أجد البيجامة التي من البوبلين المخطط، اشتريت قماشا قطنيا ونقعته في الماء الساخن لينكمش كما يحلو له، وسأقوم بتفصيله علي مزاجي. أحلم بعودة البوبلين والكستور بعيدا عن القماش المخلوط بالنايلون هذا الذي يجعلني أهرش طوال الليل والنهار. ومداد يا سيدي محيي الدين مداااااااااااد. منير عامر