ما الذي يمكن أن يعلمه الأوروبيون للأمريكيين في مجال رفع مستوي التشغيل؟ لقد كانت إجابة هذا السؤال واضحة تماما حتي اندلاع الأزمة المالية والركود في العامين الأخيرين وهي أنه لا شيء هناك في هذا الشأن يمكن أن يتعلمه الأمريكيون من الأوروبيين . . صحيح أن النموذج الاشتراكي الديمقراطي الأوروبي له فضائل كثيرة ولكن ليس من بينها أبدا القدرة علي تشغيل الناس والمحافظة لهم علي أعمالهم . . لقد حفلت الأشهر الأخيرة بكتابات كثيرة تدعي تساوي معدل البطالة في أوروبا وأمريكا عند مستوي 10% رغم أن هذا لم يكن صحيحا علي الاطلاق لأن معدل البطالة في اقتصادات أوروبا الشمالية بما فيها ألمانيا كانت أقل من ذلك . . فالبطالة في ألمانيا 5 .7% وفي الدانمارك 4 .7% والنمسا 4 .5% . . وتقول مجلة "نيوزويك" إنه في حين تقوم الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات بتصدير الوظائف إلي الخارج فإن الشركات الأوروبية الكبري مثل سيمنز تحرص علي إيجاد الوظائف داخل أوروبا وهناك أنباء شبه يومية عن فتح مصنع جديد للتوربينات في الدانمارك أو ألمانيا . . كما أن مانشيتات الصحف تتحدث عما تسميه "معجزة الوظائف الأوروبية" . . وفي حين لاتزال أرقام البطالة عالية في أمريكا فإن الاقتصاديين علي ضفتي الأطلنطي يتجادلون حول ما إذا كان متعينا علي الولاياتالمتحدة أن تبدأ في اقتباس المنهج الأوروبي الخاص بسياسة العمل . ويتعين علينا قبل الميل إلي هذا الجانب أو ذاك أن تعرف طبيعة هذه المعجزة الأوروبية ومدي قدرتها علي الصمود أمام تقلبات السوق . . فعلي عكس نوبات الهبوط السابقة استطاعت الأمم الأوروبية الإبقاء علي معدلات بطالة منخفضة بالمقارنة مع الولاياتالمتحدة في الركود الحالي لأن أسواق العمل الأوروبية صارت أقل اعتمادا علي الدعم الحكومي الذي يقدم للعمال في صورة إعانة بطالة وأكثر اعتمادا علي البرامج الحكومية التي تستهدف إعادة العاطلين بسرعة إلي العمل مرة أخري . . وأكثر من ذلك فإن دول شمال أوروبا ركزت في إنفاق مواردها علي هدف محدد هو إبقاء الناس في حالة تشغيل بدلا من إعطاء دفعة قوية لتنشيط الاقتصاد عبر المحفزات المالية والنقدية كما فعلت الولايات التمحدة . وقد تضمن هذا في الدول الإسكندنافية العديد من خطط إعادة التدريب الناجحة التي استهدفت عودة العمال المسرحين إلي العمل مرة أخري بسرعة، كذلك فإن الدول الاسكتدنافية ومعها ألمانيا أيضا استخدمت تخفيض ساعات العمل كآلية للاحتفاظ بالوظائف، وبدلا من تسريح العمال لجأت أعداد من الشركات الأوروبية إلي خفض ساعات العمل الدائمة بمقدار الثلث أو أكثر كجزء من خطط حكومية أكبر لتفادي التسريح الجماعي للعمال، ولأن الحكومات هي التي تحملت تكلفة خفض ساعات العمل فإن هذا يمكن الشركات من خفض انفاقها علي الأجور، ويمكن القول بأن هذه كانت وسيلة ناجحة ولكنها مؤقتة وتزيد من حجم الدين العام ولها تأثيرات محتملة تؤدي إلي تشويه أسواق العمل الأوروبية، فالدعم لم يكن مرتبطا بإنتاجية الوظائف ولذلك فإنه يمكن أن يؤدي بشكل غير مقصود إلي مزيد من الانتفاخ في الأجور في صناعات نحتاج إلي التخلص من مثل هذا العبء مثل صناعة السيارات، وهنا يقول باولو جويريري الاقتصادي بجامعة روما أن هذه الخطط إذا كانت قد نجحت الآن فإنها يمكن أن تكون شديدة المخاطر إذا ما تأخر التعافي الاقتصادي لفترة أطول . وبجانب ذلك لاحظ الاقتصاديون أن اتجاهات البطالة الأوروبية عادة ما تتبع مستوي البطالة الأمريكية وأن ذلك معناه انه مع احتمال وصول البطالة الأمريكية إلي ذروتها هذا العام 2010 فإن معدلات البطالة في الاقتصادات الأوروبية ستواصل التزايد في العامين الحالي والقادم وعلي سبيل المثال فإن معدل البطالة في ألمانيا سيزيد كما يقول خبراء دويتش بانك نقطتان في المائة ليصبح 9،5% في عام 2011 وبالمقابل فإن معدل البطالة الأمريكي سينخفض نقطتان في المائة خلال ذات الفترة، وفي الوقت نفسه فإن معدل النمو المتوقع للاقتصادي الأمريكي هو 3% مقابل نحو 2% فقط لدول منطقة اليورو وحتي الدانمارك التي تعد أكثر فطنة لن يتجاوز معدل نموها 1،8% وهذا يجعلنا نتساءل: من حقا هو الذي حل مشكلة ايجاد الوظائف وتحقيق النمو؟ هل هي أمريكا أم أوروبا؟ . وتقول مجلة "نيوزويك" إن المقارنة بين أوروبا وأمريكا يمكن أن تمضي بصورة أخري إذا وضعنا في الاعتبار أن البلدان التي عانت من فقاعة عقارية هي التي عانت من فقدان وظائف أكثر لان قطاعات التشييد والعقارات هي قطاعات كثيفة العمالة، وهنا سنجد درجة أعلي من التشابه بين بريطانيا وإسبانيا وايرلندا مع الولاياتالمتحدة وليس مع باقي أوروبا كذلك سنجد ان هناك بلدان أوروبية بعينها عادة ما تكون ذات حظ أفضل بالقياس إلي مجمل الاقتصاد العالمي، قال يمكنها مواصلة النمو المرتفع مع الاحتفاظ بمعدل بطالة منخفض بفضل ثروتها من البترول والغاز وصندوقها