القصير بين زيادة الإنتاجية وبين التوظيف، وقد اتخذت أمريكا من هذا التناقض متوقفا يختلف جذريا عن الموقف الأوروبى. فالولايات المتحدة قررت اتباع نظام تغذية صحى بمعنى أنها قررت أن تحصل على إنتاج أكبر باستخدام قوة عمل أقل ونتيجة لذلك فإنها تعانى ارتفاعا كبيرا فى معدل البطالة.. أما أوروبا فقد قررت أن تترك نفسها للبدانة على أمل أن تتخلص منها فى المستقبل بمعنى أنها قررت احتواء عملية فقدان الوظائف حتى ولو أدى ذلك إلى انخفاض الإنتاجية. وهذا الاختلاف قد يجعل التعافى الأمريكى أسرع ومع ذلك فإن اتجاهات الإنتاجية على جانبى الأطلنطى أقرب إلى أن تكون فى حالة ركود منتظم. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن تحليلات شركة الأبحاث كونفرانس بورد توضح الاختلاف البين فى حالة الركود وأسلوب معالجته فى أمريكا عنه فى أوروبا. فالاقتصاد الأمريكى انكمش بنسبة 5.2% خلال عام 2009 ولكن الانكماش فى إجمالى ساعات العمل الأمريكية بلغ ضعف هذه النسبة أى 5% وهذا معناه أن الإنتاجية الأمريكية أى إسهام كل ساعة عمل فى إجمالى الناتج المحلى قد زاد بنسبة 5.2% أما فى الدول الأوروبية الخمسة عشر التى كان الاتحاد الأوروبى قبل توسيعه يتكون منها فإن المتوسط العام لانكماش إجمالى ناتجها المحلى خلال عام 2009 وصل إلى 2.4% وبالمقابل فإن انكماش ساعات العمل فى تلك البلدان كان أقل منه فى أمريكا ونتيجة لذلك تراجعت الإنتاجية فى دول الاتحاد الأوروبى سالفة الذكر بنسبة 1.1% فى ذات العام ورغم أن العاملين الذين احتفظوا بوظائفهم فى كل من أمريكا وأوربا قد انخفضت ساعات عملهم بنفس المقدار فإن الانكماش فى إجمالى ساعات العمل الأمريكية كان أكبر لأن أمريكا فقدت وظائف أكثر. ولذلك فقد انخفض مستوى التشغيل فى أمريكا بنسبة 6.3% فى العام الماضى مقابل انخفاض لم يتجاوز 9.1% فى دول الاتحاد الأوروبى الأصلية خلال العام نفسه. ولكن ما الذى يقف وراء هذا التناقض الشديد؟ هناك نظرية تدعى وجود مبالغة فى أرقام إجمالى الناتج المحلى الأمريكى. وأن المراجعات الجارية لهذه الأرقام ستضع فى اعتبارها المعلومات المقدمة من جانب الشركات الصغيرة التى يحتمل أن يكون إنتاجها قد تراجع بمعدلات تفوق ما حدث فى الشركات الكبيرة بسبب معاناتها من ندرة الائتمان وأن أرقام إجمالى الناتج المحلى الأمريكى سوف تنكمش تبعا لذلك لتضيق الفجوة بينه وبين إجمالى الناتج المحلى الأوروبى وهناك وجهة نظر أخرى ترى أن الذعر الذى أصار الشركات الأمريكية جعلها تتسرع فى التخلص من العمالة مع ملاحظة أن التراجع البالغ فى الإنفاق الرأسمالى من جانب الشركات الأوروبية يشر بأنها لم تكن أقل ذعراً من مثيلاتها الأمريكية ولكن ذعرها انعكس فى مجال آخر. والحقيقة أن جزءا كبيراً من فجوة الإنتاجية بين أمريكا وأوروبا فى عام 2009 يرجع كما تقول مجلة "الإيكونوميست" إلى اختلاف تنظيمات سوق العمل على جانبى الأطلنطى. فسوق الوظائف الأمريكى الأكثر مرونة جعل من الأسهل والأرخص بالنسبة للشركات أن تتخلص من عمالتها. وعلى النقيض من ذلك فإن التخلص من العمالة فى كثير من بلدان أوروبا أكثر تكلفة كما أن إعانات البطالة هناك سخية. ولذلك فإن الشركات العاملة فى أوروبا تفكر مرتين قبل الاستغناء عن أى عامل كما أن الحكومات الأوروبية أكثر ميلاً إلى دعم الشركات التى تحتفظ بعمالتها لأن ذلك سيكون أقل كلفة من دفع إعانات بطالة للمتعطلين الجدد ولذلك ارتفعت معدلات البطالة أكثر فى البلدان الأوروبية التى يسهل فيها التخلص من العمالة مثل أيرلندا وإسبانيا. والغريب أن العمالة الأمريكية التى يسهل التخلص منها يمكن ألا تعود بسرعة إلى العمل مرة أخرى. وهناك فى أمريكا الآن من يتخوف من تكرار ما حدث فى ركود عام 2001 عندما حدث التعافى ولكن من دون وظائف جديدة كافية Jobless relovery