هكذا كان يدعوها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فهي رائدة من رواد العمل الاجتماعي ونهضة مصر، وأول وزيرة في العالم العربي . كانت لفتة كريمة من المجلس الأعلي للثقافة وأمينه العام عماد أبو غازي، ولجنة الدراسات الاجتماعية برئاسة الدكتور أحمد أبو زيد، عندما كرمت الدكتورة حكمت أبو زيد الاسبوع الماضي وسط احتفاء تلامذتها ومن بقي من زملائها وكانت الاحتفالية مليئة بمعاني الوفاء والاخلاص والتقدير الي عالمة جليلة ورائدة في العمل العام والنضالي. وكنت محظوظة عندما ابلغتني الصديقة العزيزة الدكتورة هدي زكريا استاذة علم الإجتماع وإحدي تلامذة د.حكمت بحضور ذلك التكريم . فابنة قرية الشيخ داوود بالقوصية، محافظة أسيوط ورثت الروح الوطنية والثورية والعروبة من والدها موظف السكة الحديد ونشأت وتشكلت شخصيتها علي محبة المسلمين والمسيحيين حيث كانت والدتها تصوم مع جيرانها الأقباط وكانت تنذر ذلك الصوم للعذراء. ولابد أن نتذكر مع هذه العلامة المميزة في شخصيات مصر مساهماتها في مجتمعها والتنمية الحقيقية التي أدخلتها من خلال مشروع الأسر المنتجة الرائدة، والتضامن الذي قادت حملاته برفقة الفنانين والشخصيات العامة مع الجنود في الجبهة، والجرحي في المستشفيات خلال حرب 1967وخلال حرب الاستنزاف. ومن انجازاتها في وزارة الشئون الاجتماعية عندما تولتها قرار توفير الضمان الاجتماعي لكل محتاج ليس له مورد رزق، وبدلا من أن يعتمد علي الزكاة والصدقة أنشأت الوزارة بنك ناصر الاجتماعي حتي يكون للفقراء نصيب من ميزانية الدولة، ووراء ذلك فلسفة اجتماعية تعتمد علي ان لكل فرد حقاً علي الدولة التي يجب ان ترعاه. كما ان من بين انجازات د.حكمت ابوزيد مشروع تهجير أهالي النوبة ، وقد لازمت النوبيين بعد أن رسمت خطة محكمة لنقل 50 ألف من مدينتي الشلال وأبو سنبل إلي القري النوبية الجديدة التي اقيمت في المنطقة ما بين كوم امبو ودراو شمال السودان وحرصت أن يظل النسيج والبنيان النوبي كما كان قبل الهجرة فلم تحدث حالة وفاة واحدة أثناء عملية التهجير، حتي الحيوانات من قطط وكلاب ودجاج ،بل وحتي رفاة الموتي تم نقله وحرصت أن يكون الجار في كل قرية جديدة هو نفس الجار في القرية القديمة.. وقد هزتها عبارة عبد الناصر لاهل النوبة "سنكون لكم مثل الأنصار للمهاجرين". وقد اتهم هذا المشروع بالعديد من الاتهامات، ولكن د.حكمت كانت تحاول أن تخفف آلام الناس من منطلق أن الضرورات تبيح المحظورات وانه لولا السد العالي لحدث قحط في مصر، وبشكل استشرافي، كانت الثورة تدرك ان المخزون المائي سيكون اكثر تاثيرا من المخزون البترولي في القرن القادم، وربما من ذلك المنطلق سماها عبد الناصر بقلب الثورة الرحيم، وقال عنها المهندس أحمد الشرباصي "اذا رأيتم أحدا متألما فأعطوه حكمت أبو زيد". وقد كانت د.حكمت ترتبط بالزعيم عبد الناصر كقائد للثورة، وابن لمحافظتها أسيوط بشكل لا يشوبه تملق، فالأمر أبعد من من أنه فضلها واختارها من بين نساء الصعيد ونساء مصر كأول وزيرة عربية ،بل انسانية عبد الناصر وشعوره بالآخرين هو ما كان يجذبها اليه كغالبية الشعب المصري ،حيث كان ينظر الي عين الجندي في الجبهة، فيشعر اذا ما كان الجندي يريد أن يقول له شيئا، وكان عبد الناصر يؤكد ان حل مشكلات الجنود تمنحهم راحة البال وتجنبهم القلق ليتفرغوا الي مهامهم القتالية، وكان يأمر بعلاج أهاليهم في مستشفي القوات المسلحة، وكان يقول: علينا ان نعرف ما يعانيه هؤلاء الجنود، وأنه يكفي انهم يعيشون مع الرمال ولا يتمتعون بهذه الرفاهية التي يتمتع بها الجنود الاسرائيليون وتذكر د.حكمت ابوزيد شدة الألم التي شعر بها عبد الناصر والتي نقلها إلي زوجته السيدة تحية بعد ان عاد من مقابلة معمر القذافي في مرسي مطروح في سبتمبر 1970، عندما رأي اطفال البدو يقفون تجاه سيارته، وهم حفاة ولم يكونوا علي الهيئة التي ترضيه، فأشار بإصبعه وقال انه يشعر بالألم يعتصره لانه لم يفعل لهؤلاء الأطفال شيئا. وتروي حكمت ابوزيد كيف ان رئيس الولاياتالمتحدة أهداه مصلا خاصا لأولاده ضد شلل الأطفال عن طريق وزير الصحة النبوي المهندس، وكان ثمنه مرتفعا، فسأل عبد الناصر الوزير اذا كان يوجد منه للشعب المصري فأجاب بالنفي، فكسر عبد الناصر الأمبول وألقي به علي الأرض وقال :حينما أستطيع توفيره للشعب سأعطيه لأطفالي! ولعل تعيين جمال عبد الناصر أول وزيرة في العالم العربي، وهي حكمت أبو زيد كوزيرة للشئون الاجتماعية في عام 1962 جاء مؤشرا لنهضة في المجتمع، وثمرة لحركة تحرير المرأة بقيادة مناضلات عظيمات مثل هدي شعراوي وسيزا نبراوي ودرية شفيق وأمينة السعيد، والتي أسفرت في النهاية عن مشاركة فعلية في الحياة النيابية، وكذلك اعلانا عن وجود رجال آمنوا بأهمية دور المرأة مثل سعد زغلول، وقاسم أمين وطه حسين وغيرهم، وعندما جاءت ثورة يوليو أشعلت إرادة التغيير مرة أخري بداخل المجتمع. وكان أن قامت مجموعة من المناضلات بقيادة درية شفيق بالإضراب عن الطعام حتي الموت، إلي أن تستجيب حكومة الثورة لمطالبهن في إعطاء المرأة حق التصويت، أسوة بالرجل، وهنا استجاب رئيس الجمهورية حينذاك محمد نجيب، ووعد بإدراج مادة بذلك في الدستور الجديد الذي كانت تجري صياغته، وبالفعل تم تنفيذ ذلك في عهد الرئيس جمال عبد الناصر في دستور عام 1956 وهكذا بدأت مشاركة المرأة في الحياة النيابية لأول مرة في تاريخها، ثم حدثت قفزة جديدة فتم تعيين أول سفيرة لمصر هي د. عائشة راتب في عام 1979 ، وتعيين سبع سيدات في مجلس الشوري في عام 1980 ، وتعيين المرأة في وزارات الشئون الاجتماعية، والاقتصاد والبيئة. وكم نحن في أشد الحاجة إلي بث روح الثورة من جديد بداخل قلوب النساء والرجال، لننطلق نحو المستقبل بثبات حتي نصل إلي المساواة المنشودة في جميع المجالات..فالمرأة بعد أكثر من نصف قرن قد تقهقرت ولم تتقدم، وكان الأمل أن تصبح بحق نصف المجتمع الفاعل القادر علي ان يعطي ويغير وجه مصر . أقول ذلك ويهزني شعوربالأسف والألم للنتيجة التي انتصرت فيها النزعة الرجعية المتشددة لغالبية قضاة مصر ضد تعيين المرأة علي منصة القضاء!