بدأت إسرائيل بتطبيق الخطة التي أعلن عنها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بوقف البناء الاستيطاني بشكل جزئي في الضفة الغربية لمدة عشرة أشهر، وفي ذلك بدأ رؤساء مجالس المستوطنات في الضفة الغربية تسلم أوامر رسمية تقضي بالتوقف عن اصدار تراخيص للبناء في مستوطناتهم والغاء جميع تراخيص البناء التي صدرت لمبان لم يستكمل بناء أساساتها حتي الآن. غير أن الفلسطينيين اعتبروا أن الخطة الاسرائيلية ما هي إلا مجرد مسرحية ولا تحمل جديدا، في الوقت الذي ثار ثائرة اليمين في اسرائيل وتجمع مئات من اعضاء حزب الليكود المعارضين لقرار رئيس حزبهم نتنياهو بشأن تعليق البناء في المستوطنات، وعقدوا الاجتماع تحت شعار الليكود الحقيقي لا يلتوي في مواقفه، واتهم رون ناحمان رئيس مستوطنة ارئبل الكبيرة قرب نابلس نتنياهو بالانجرار وراء طريق اليسار. وفي هذه الدائرة تدور داخل حزب ليكود اليميني الحاكم في اسرائيل منافسة شديدة بين عدد من اقطابه علي حمل راية التمرد المنضبط علي زعيم الحزب ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نتيجة لقرار التعليق في اصدار تصاريح البناء في المستوطنات، وفي هذا الإطار فإن الاحتجاجات التي بدرت من عدد من وزراء ليكود ونوابه تندرج أساسا في إطار سعي كل منهم لتسجيل نقاط في اوساط المعسكر المتشدد في الحزب أكثر من كونها احتجاجا سياسيا حقيقيا، اذ أن هذه الاحتجاجات لا تهدد زعامة نتنياهو، بل تخدمه في الحلبة الدولية اذ تظهر المصائب التي يواجهها نتنياهو في تقديم نتازلات للفلسطينيين. لقد نجح نتنياهو في تحييد أكثر الوزراء تشددا في الليكود وهو وزير الشئون الاستراتيجية موشي يعالون ووزير الدولة بين بفين العضوان في الحكومة الامنية المصغرة وفي الهيئة الوزارية السباعية عندما نجح في اقناعهما بتأييد قرار تعليق البناء فخمدت بذلك نيران معارضته كان المتشددون في ليكود بقيادة النائب داني دانون قد عولوا علي يعالون الذي سبق أن اعلن معارضته لأي نوع من تجميد الاستيطان ان يشعلها. وحيال تأييد يعالون الذي اعتبر قرار الحكومة مناورة سياسية ارادها نتنياهو في إطار علاقته باصدقاء اسرائيل في العالم، وجد بعض معارضي نتنياهو ان قرار الحكومة لا لزوم له اذ لن يعيد الفلسطينيين إلي مائدة المفاوضات. لقد استبقت اسرائيل بقرارها هذا بزيازة مرتقبة لمبعوث عملية السلام الامريكي جورج ميتشل في محاولة اخري لدفع عملية السلام خاصة إن الأمريكيين قد يدفعون باتجاه ترسيم الحدود خلال فترة الأشهر العشرة القادمة في خطوة من شأنها ان تمنع السلطة من الذهاب إلي مجلس الأمن لترسيم هذه الحدود، وتسمح بذلك للاسرائيليين باستئناف البناء الاستيطاني بعد ترسيم الحدود، وكانت السلطة الفلسطينية قد رفضت استئناف المفاوضات مع اسرائيل من دون وقف الاستيطان واعتبار مرجعيتها السياسية هي اقامة الدولة الفلسطينية وحدود ،1967 وعاصمتها القدس، وهددت بأنها ستذهب إلي مجلس الامن لترسيم حدود الدولة، وهي خطوة ستواجه الفيتو الأمريكي، أما نتنياهو فقد كان واضحا للغاية وقال في خطابه الذي أعلن فيه وقف البناء الاستيطاني عندما تنتهي فترة التعليق فستعود حكومتي إلي ممارسة سياسة البناء التي انتهجتها الحكومات السابقة. هذا الوضع المعقد والملتبس خاصة فيما يتعلق بفشل المفاوضات والموقف الامريكي المائع قد شكل احراجا كبيرا للرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي راهن كثيرا علي هذا الموقف، فوجد نفسه غير راغب بالبقاء رئيسا، واعلن أنه لن يترشح ثانية وانتهز الفرصة وقام بزيارة مؤخرا لدول أمريكا اللاتينية لتعزيز علاقاته بشكل خاص بالرئيس الفنزويلي هوجو شافيز الذي يعتبر معارضا شرسا للسياسات الأمريكية وأحد أكبر المحرضين عليها، وقد جاءت الزيارة بعد تدهور علاقات عباس بالولايات المتحدة، وبعد أن اتهمها أبومازن بأنها منحازة لاسرائيل، وتراجعت عن وعود سابقة باجبار اسرائيل علي وقف كامل للاستيطات قبل بدء العملية السياسية. ويبدو أن عباس اعاد حساباته من جديد ورأي أنه من الضروري اغضاب أمريكا حتي يحصل علي ما يريد ويدل علي ذلك قوله أثناء زيارته لفنزويلا "بأن أمريكا لن تعطي اصدقاءها دولة، بل تعطي اعداءها ليصبحوا اصدقاءها". وجدد عباس قوله إن السلطة تجري مشاورات مع الدول العربية ومع مجموعة من الدول اللاتينية والافريقية والأوروبية والآسيوية وفي المستقبل مع الإدارة الأمريكية حول امكانية الذهاب إلي مجلس الامن بهدف ترسيم حدود دولة فلسطين علي خطوط الرابع من يونية 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. ويبدو أن وصف السلطة الفلسطينية للقرار الاسرائيلي بتجميد الاستيطان "بالمسرحية" هي حقيقة أكدتها الاحداث ولكنها جاءت سريعا عن المتوقع، اذ بعد يوم من بدء تطبيق التجميد الاستيطاني الجزئي الذي أعلنته الحكومة الاسرائيلية في المستوطنات في الضفة الغربية، الغي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو 25 أمرا بالتوقف عن العمل كانت سلمت لمستوطنين في مستوطنة كيدار القريبة من رام الله وأكدت مصادر اسرائيلية ان نتنياهو سمح ببناء هذه الوحدات بدعوي أن المصادقة علي بنائها قد تم قبل اتخاذ القرار الخاص بتجميد اعمال البناء، مما يعني عدم صمود قرار نتنياهو أمام قادة اليمين المتطرف والمستوطنين، وفشل خطته حتي قبل أن تبدأ في تحقيق اهدافها التي تصطدم أيضا بالرفض الفلسطيني رغم حالة الحراك الدبلوماسي الذي تشهده المنطقة مؤخرا لتحريك مفاوضات السلام واتجاه الاتحاد الأوروبي نحو الاعتراف بدولة فلسطينية تكون عاصمتها القدسالشرقية، الامر الذي جعل موظفين كبارا في الخارجية الاسرائيلية يهددون بحرمان الاتحاد الأوروبي من أي دور في العملية التفاوضية في الشرق الاوسط وهذا في حد ذاته صك اعتراف بأن اسرائيل غير جادة في مساعديها نحو السلام أو انجاز مفاوضات السلام مع الفلسطينيين بأي حال!!