كان من أخطر نتائج الأزمة المالية العالمية حدوث قفزة كبيرة في الدين المحلي الذي وصل في الربع الثالث من عام 2008/2009 إلي مبلغ 743 مليار جنيه بعد ان كان خلال الربع الثالث من عام 2007/2008 لا يتجاوز 685.796 مليار جنيه وهو ما أرجعه الخبراء إلي تزايد اعباء الحكومة من ناحية وتقلص ايرادات الموازنة من ناحية اخري. أما الدين الخارجي فقد وصل خلال الربع الثالث من عام 2009 إلي مبلغ 308.798 مليار دولار مقارنة بالربع الثالث من عام 2008 حيث بلغ اجمالي الدين الخارجي 345.162 مليار دولار. حيث يوضح د.حمدي عبد العظيم - الخبير الاقتصادي والعميد السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية ان التحليل المبدئي لزيادة حجم الدين المحلي خلال العام الذي تلا اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية له عدة أسباب يمكن تلخيصها كالآتي، أولا تأثر الموارد العامة في الموازنة بالأزمة خاصة البترول وعوائد قناة السويس وغيرها نظرا لتأثرها المباشر بالاقتصاد العالمي مع الوضع في الاعتبار أن هذه الجهات والهيئات العامة تدفع أعلي شريحة من الضرائب تصل إلي 40.5% في حين تبلغ قيمة الضرائب المستحقة علي الشركات 20% كحد أقصي، وهو الأمر الذي يفسر تقلص حجم الضريبة التي جنتها الخزانة العامة في الشهور القليلة الماضية وانخفاض الفائض الذي تحصل عليه وزارة المالية من الهيئات العامة والرسوم الجمركية وضريبة المبيعات وغيرها خلال نفس الفترة. ويوضح د.حمدي عبد العظيم انه في المقابل هناك زيادة في الانفاق العام، حيث سعت الحكومة علي سبيل المثال إلي رصد 15 مليار جنيه لمواجهة تداعيات الأزمة والاستثمارات في مشروعات البنية الأساسية، بالاضافة إلي حرصها علي التوسع في البطاقات التموينية ودعم الفقراء باعتبار أن الأزمة قد ساهمت في زيادة اعدادهم نتيجة تفاقم أزمة البطالة بالتبعية هذا بخلاف الضمان الاجتماعي وتورط الدولة في بند المعاشات والتعويضات وكلها عوامل ساهمت في حدوث عجز نتيجة زيادة الانفاق العام من ناحية وانخفاض الايرادات العامة في أعقاب الأزمة من ناحية أخري. ولأن علاج العجز في الموازنة غالبا ما يكون عن طريق تفاقم الدين العام المحلي والاستدانة من البنك المركزي، الأمر الذي يلقي بأعباء جسيمة علي الموازنة العامة للدولة التي ستتحمل بدورها قيمة الأقساط والفوائد لهذه المديونية. ويري د.أسامة عبد الخالق - الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية المالية العامة والضرائب سابقا أن الازمة المالية الاقتصادية العالمية قد أثرت بالسلب علي الاقتصاد المصري تأثيرا بالغا علي مستوي جميع القطاعات الاقتصادية بما في ذلك الدين المحلي والخارجي. وقد أدي ارتفاع الأسعار علي مستوي العالم الي تحسن ميزان المدفوعات وميزان المعاملات الخارجية نظرا لانخفاض القيمة المفروض دفعها اليوم عن الأمس. وعلي هذا فإن حجم المطلوبات المالية لسداد احتياجات مصر من جميع انواع السلع والخدمات قد انخفضت في ظل الأزمة العالمية، مما أدي بطبيعة الحال إلي تقليل احتياجات مصر او وزارة المالية خاصة من الاقتراض المحلي والخارجي وهو ما أدي إلي تحسن نسبي في الدين العام خلال العام الماضي. اضف إلي هذا ان انخفاض سعر الدولار وثباته النسبي خلال الحقبة السابقة أدي إلي حدوث تحسن مواز نظرا لانه من المعروف ان 70% من احتياجات مصر ممولة بالدولار. ومن جانبه يؤكد د.أحمد سالم - المستشار السابق لوزير المالية والخبير الاقتصادي - انه لا يمكن القاء اللوم علي الأزمة الاقتصادية العالمية وحدها بوصفها السبب الرئيسي لتفاقم المديونية في مصر إلي هذا الحد.. فالثابت ان هناك عدة آليات ينبعي مراعاتها علي غرار الدول المتقدمة لتلافي المشكلات التي قد تنتج عن تفاقم حجم الدين العام المحلي والخارجي أبرزها ان المادة 121 من الدستور المصري تسمح للسلطة التنفيذية بعقد قروض أو الارتباط بمشروع يترتب عليه انفاق مبالغ من خزانة الدولة خلال فترة مقبلة بشرط الحصول علي موافقة مجلس الشعب دون ذكر آليات سداد هذه القروض وهو الأمر الذي يجعل الأجيال القادمة تقع فريسة لضخامة حجم هذه الديون وتحمل الأعباء الجسيمة التي تستقطع من موارد البلاد لسدادها هذا بخلاف انها تسحب من السوق المالي والنقدي قدرا كبيرا من السيولة والمدخرات كان من الممكن أن توجه لصالح الاستثمار وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة نحن في حاجة إليها. ويشير د.أحمد سالم إلي أنه بخلاف الهدر في الانفاق العام سنجد أن فكرة ضم الموازنتين الجارية والرأسمالية في موازنة عامة واحدة قد حرمتنا من تحقيق الموازنة الجارية لفائض يغطي فوائد القروض المستحقة بالموازنة الرأسمالية وهو النموذج المطبق منذ السبعينيات بوزارة المالية قبل تعديله مؤخرا وهو الأمر الذي كان له الأثر الأكبر في تفاقم المديونية المحلية خاصة مع ظروف الأزمة العالمية.