إفريقيا التي يعرفها معظم الناس هي افريقيا الريف والغابات والاحراش حيث الأسر كبيرة العدد والنساء ذوات الخصوبة العالمية والمجتمعات التي تعاني ضغوطا شديدة، والشباب الذين تفوق أعدادهم كثيرا إعداد كبار السن.. افريقيا هذه هي القارة المزدحمة التي تعاني من الكوارث البيئية والفقر والجوع ومرض الايدز والحروب الاهلية أو هي باختصار نموذج حتي للمأساة التي تحدث عنها عالم السكان الشهير مالتوس منذ القرن التاسع عشر التي تقع عندما يزيد عدد السكان كثير علي قدرة الموارد علي الاحتمال. ولكن هناك في رأي مجلة "الايكونوميست" إفريقيا اخري لا يتحدث عنها الناتس كثيرا وهي افريقيا المدن حيث الحياة فيها تشبه الحياة في بقية العالم فالناس تعيش عمرا اطول وتنجب من الاطفال عددا أقل وينجو معظم اطفالهم من امراض الطفولة فالمدن تحد من تزايد السكان وهذا ما سبق أن فعله التحديد في اسيا وأمريكا اللاتينية.. فمدن افريقية مثل اديس ابابا واكرا ولواندا قد تكون هذه المدن تتميز بانخفاض خصوبة النساء وانخفاض معدل المواليد حيث ابناء الطبقة الوسطي الافريقية البازعة يتحدثون عن الرهن العقاري ويشترون الشقق حديثة البناء ولا يرغبون في انجاب أكثر من طفلين. ومع ذلك فإن افريقيا تعد قارة ذات خصوصية سكانية اذا ما قورنت بقية العالم النامي.. لقد عرفت افريقيا طويلا بأنها أكثر القارات نوما وكسلا ولكنها أصبحت الآن اسرع القارات نموا واسرعها مدينة نقد زاد عدد سكانها من 110 ملايين نسمة عام 1850 ليصبح الآن نحو مليار نسمة ولا يزال معدل خصوبة النساء فيها عاليا فالأتي التي تولد اليوم تمكن أن تنجب خمس مرات في سنوات خصوبتها علي الحمل في حين أن المرأة الآسيوية شرق آسيا لا تنجب الآن في سنوات خصوبتها سوي طفلا في المتوسط، ولم تحدث كارثة غير متدفقة فإن عدد سكان افريقيا سيصل إلي ملياري نسمة عام 2050 ولكي تدرك مغزي هذه الزيادة يكفي أن نعرف أن عدد سكان أوروبا عام 1950 كان ضعف عدد سكان افريقيا أما في عام 2050 فسيصبح عدد سكان افريقيا ضعف عدد سكان أوروبا.. وعموما فلا ينبغي أن ننسي ان افريقيا في مرحلة تحول سكاني وان الناس عندما يصبحون أكثر غن قل ميلهم إلي الاجانب ففي عام 1990 كان معدل خصوبة المرأة الافريقية 6 اطفال أو أكثر خلال عمرها الانجابي مقابل طفلتي فقط للمرأة الآسيوية وتقول دراسة اعدتها الاممالمتحدة ان معدل خصوبة المرأة الافريقية في افريقيا جنوب الصحراء يمكن أن يقل إلي 3 اطفال فقط بحلول عام 2030 ثم يقل مرة اخري إلي 5.2 طفل في المتوسط بحلول عام 2050. ولعله ليس صدفة أن ال 15 عاما الاخيرة قد شهدت اعلي معدلات للنمو الاقتصادي تحققها دول افريقيا جنوب الصحراء في تاريخها الحديث ولن تشذ افريقيا ابدا عن القاعدة التي تقول إن الناس يقل ميلهم إلي الانجاب كلما ازدادوا ثراء وأن الشعوب عندما تغتني هي الاخري تمر بمرحلة تحول سكاني تنخفض فيها كثيرا معدلات الزيادة السكانية وهذه الحقيقة الاخيرة يمكن أن تخفض من وفاة الانباء والاحتمالات السيئة التي تحد منا عنها من قبل بشأن كوارث التصحر والايدز والحروب الاهلية.. اكثر من ذلك فرن التحول السكاني الذي يتضمن انخفاض المواليد وموت العجائز سيؤدي إلي زيادة نسبة الشباب الذين هم في سن العمل إلي مجموع السكان وتقول دراسة اجرتها مبادرة هارقارد للصحة العالمية أن نسبة الشباب في سن العمل إلي مجموع السكان ستزيد بوضوح في 2732 دولة افريقية خلال الفترة بين عام 2005 وعام 2015 وهذا معناه أن افريقيا سوف تجني ما يمكن وصفه بأنه "عائد سكاني" يؤدي إلي خلق دورة قوية للنمو علي غرار ما حدث في الصين وبقية دول شرق آسيا خلال الثلاثين سنة الاخيرة علي الأقل حيث نشر بعض الحسابات إلي أن "العائد السكاني" قد أسهم بنسبة الثلث تقريبا في منع ظاهرة النمو الآسيوي المرتفع خلال العقود الثلاثة الماضية. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن شعوب افريقيا ستصبح هي اكبر أصول هذه القارة حيث ستكون قوة العمل هي المحرك الرئيسي للنمو اذا أحسن استخدامها كما حدث في آسيا.. ولكن لكي يتحول "العائد السكاني" إلي اموال لابد أن تختار افريقيا السياسات الصحيحة وأن تتغلب علي كثير من المشاكل القائمة حاليا.. واذا لم تنجح البلدان الافريقية في ذلك فإن "العائد السكاني" سوف يتحول إلي عبء ثقيل وبدلا من الرخاء ستسيطر الجريمة وتنشب الحروب الاهلية. والحقيقة أن افريقيا ليست أمامها وقت تضيعه في التردد أو سوء الإدارة فهي إما أن تغتنم الفرصة أو تضيعها إلي الابد ولابد أن يحدث ذلك في غضون جيل واحد أو جيلين من الآن وكالعادة ينقسم الناس إلي متشائمين ومتفائلين بشأن مستقبل افريقيا وبشأن قدرتها علي الاستفادة من "العائد السكاني" ويطرح المتشائمين ثلاثة أسباب الأول هو أن افريقيا لا تنتج من الطعام ما يكفي حاجة سكانها وانها بحاجة إلي ثورة خضراء لكي تكفي حاجة شعوبها من الغذاء والثاني ان التركيب السكاني الافريقي الراهن مختلف عن التركيب السكاني في آسيا وأمريكا اللاتينية عندما بدأت هاتان القارتان مسيرتهما نحو النمو السريع فنصف سكان افريقيا حاليا من الاطفال ووسط هؤلاء الاطفال تنتشر كل انواع الموبقات والامراض وعبء اعالتهم يبدو ثقيلا حتي بل سكان المدن أما السبب الثالث للتشاؤم فهو انتشار العنف السياسي والفساد وضعف المؤسسات الحاكمة أو عدم وجودها من الاساسا. بالمقابل فإن المتفائلين يرون أن افريقيا عندما اتيحت لها نصف فرحة خلال 15 عاما الاخيرة حققت معدلات عالية للنمو الاقتصادي والتمرين والاخذ باسباب التكنولوجيا الحديثة وأن الارض الافريقية الخصبة وغير المستثمرة يمكنها أن تنتج من الطعام ما يكفي سكان القارة حتي لو بلغ عددهم مليارين ويقضي أيضا ما يتم تصديره إلي الخارج وباختصار فإن المتفائلين يرون أن التحول السكاني الذي تمر به افريقيا الآن هوتحول إيجابي ولكن افريقيا مطالبة أيضا بأن تحيله فرصة للتقدم بإيجاد الظروف المناسبة لذلك من الثورة الخضراء إلي التعليم ورفع كفاءة المدن الافريقية والحكم الرشيد والسياسات الاقتصادية الناجمة.