يبدو أن متاعب "حزب الله" مع مختلف دول العالم قد بدأت ولن تتوقف. فبعد تورط الحزب في قضية أمنية في مصر وفقدان الحزب لقاعدة عريضة من التعاطف الشعبي فإن الحزب يواجه الآن مشكلة جديدة مع الصحافة الألمانية التي كشفت عن ضلوع الحزب في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري. فالصحفي الألماني أريك فولاث فجر مفاجأة كبيرة في مجلة دير شبيجل عندما كتب يقول إنه اطلع علي وثائق أصلية في المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الحريري تؤكد تورط حزب الله في التخلص منه. ولم يكد أريك فولاث يكشف عن ذلك حتي انبري له حسن نصر الله كالعادة يكيل له الاتهامات ويشير إلي أن ما ذكره مجرد معلومات سربت إليه من إسرائيل وأن ما اطلع ليه هو مجموعة وثائق مزورة وليست أصلية. وصحيح أن المحكمة الدولية أصدرت بيانا قالت فيه إنها لا تعرف شيئا عن طبيعة الوثائق التي اطلع عليها الصحفي الألماني إلا أنها أيضا لم تذكر ما اذا كانت هناك وثائق تؤكد ما ذكره أم لا. وأريك فولات من جانبه لم يسكت بالطبع وقال إنه صحفي حر يراعي ضمير المهنة ولا يعمل لحساب أجهزة استخبارات ولا يتلقي توجيهات من أحد، كما أنه سبق له انتقاد إسرائيل في العديد من المرات لتعديها علي حقوق الشعب الفلسطيني، كما أنه زار سوريا قبل عدة أشهر والتقي بالرئيس السوري بشار الأسد وأجري معه حوارا ولم يكن لهذا علاقة بما نشره عن اغتيال الحريري. ومضي أريك ليقول إنه لم يفاجأ شخصيا بهجوم أمين عام حزب الله حسن نصر الله عليه، بل كان يتوقعه، ووصف الهجوم بأنه زاد من مكانته وأنه اليوم مقتنع بالقصة التي نشرها في المجلة أكثر من ذي قبل. والواقع أن ما ذكرته المجلة إن كان صحيحا فإنه يضع حسن نصر الله وحزب الله في مأزق جديد بالغ الحرج. فإذا كانت هناك وثائق بتورط حزب الله في اغتيال الحريري فإن المحكمة الدولية مطالبة بإظهار هذه الوثائق واصدار مذكرة توقيف دولية بحق الأمين العام لحزب الله لمحاكمته في هذا الشأن. كما أن ظهور مثل هذه الوثائق من شأنه أن يضعف تماما مكانة حزب الله في لبنان، وهي المكانة التي اهتزت كثيرا علي أية حال منذ المواجهة الأخيرة لحزب الله مع إسرائيل في الجنوب اللبناني والتي كلفت لبنان الكثير، وأوضحت أن حزب الله يمثل حكومة وكيانا مستقلا داخل لبنان. وكان أبرز مظاهر استقلالية حزب الله عن الحكومة اللبنانية هو وصول المساعدات المالية مباشرة إلي حزب الله من إيران بعد انتهاء المعارك دون المرور عبر القنوات الشرعية من خلال الحكومة اللبنانية، وكما حدث مع كل المساعدات الدولية التي وصلت إلي ايران. وتأتي قضية دور حزب الله في اغتيال رفيق الحريري لتوضح ان حزب الله لم يعد مكتفيا بالاستقلالية، بل هو مستعد أيضا للتخلص من الذين يعتقد أنهم قادرون علي تحجيم دوره السياسي والأمني في لبنان. ان لحزب الله دورا ايجابيا في التصدي للاعتداءات الاسرائيلية علي لبنان وهو دور اتسم بروح الصمود والتحدي، وهو ما منح الحزب شعبية وأرضية واسعة في العالم العربي ولكن الحزب خسر بسهولة جزءا كبيرا من التعاطف والتأييد عندما بدأ الرأي العام العربي يتساءل عن الثمن الذي يتكبده لبنان والعرب من جراء هذه المواجهات العسكرية غير المتكافئة، وأيضا بعد أن اتجه حزب الله إلي مد عملياته عبر الحدود في تدخل سافر في الشئون الداخلية لدول أخري بشكل اتضح معه أن أجندة حزب الله الحقيقية ليست موجهة ضد اسرائيل بقدر ما هي تتعلق بأهداف أخري في لعبة توازنات القوي في المنطقة وامتدادا لمحاولات ايران أن يكون لها دور متميز ومؤثر في القضايا العربية يأخذ شكل التوجيه والوصاية. لقد جاءت مجلة "دير شبيجل" الألمانية ذات السمعة والمصداقية لتضيف إلي حزب الله المزيد من المتاعب ولتوجه اتهامها الصريح إليه بأنه حزب للمؤامرات والاغتيالات، وما أصعبه من اتهام، وما أصعبه أيضا تفنيد هذا الاتهام..!!