من يصدق أن حجم تجارة المخدرات في مصر يصل إلي 79.5% من دخل قناة السويس.. و109% من عوائد الاستثمار و32.8% من عائد التصدير و41.3% من عائد السياحة و46.9% من تحويلات المصريين في الخارج و32.7% من عائد البترول..! ليس هذا كلاما مرسلا ولكنها الحقيقة التي حملتها الاحصائية الرسمية التي أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء عام 2007 والتي جاء فيها أن حجم تجارة المخدرات في مصر وصل إلي 18.2 مليار جنيه.. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف نوقف نزيف هذه المليارات التي تلتهمها تجارة المخدرات والتي تؤثر علي الاقتصاد المصري تأثيرا سلبيا؟ يوضح الدكتور محمد النجار أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها قائلا: إن تجارة المخدرات تندرج تحت مسمي تجارة الممنوعات، أو الاقتصاد السري الذي يندرج تحت ما يسمي بالأرقام المظلمة، لأننا لا نستطيع أن نتعرف عليها من خلال الاحصاءات الرسمية، ومن ثم فكل ما يقال مجرد تقديرات ليس إلا. ويوضح د. النجار: رغم أن اقتصادات تجارة المخدرات لا يتم تصنيفها في الحسابات القومية لأنها نشاطا اقتصاديا غير مشروع، فإنها تسهم في زيادة الطلب علي النقد الأجنبي ومن هنا تؤثر علي انخفاض سعر الجنيه الذي تتبعه زيادة في تكلفة الاستيراد وينتج عنها ارتفاع في الأسعار.. كما أن خفض العملة الوطنية له تأثير سلبي خاصة في ظل ضعف مرونة الطلب الخارجي علي صادرات الدول المختلفة وضعف مرونة العرض بها من جراء قصور جهاز الإنتاج بها وتخلفه وعدم مرونته. ويضيف د. النجار: الأمر لا يقتصر علي ذلك، فتجار المخدرات يستطيعون تدبير النقد الأجنبي اللازم لصفقاتهم الدنيئة فهم يدفعون ثمنا أعلي للعملة لأنهم واثقون من تعويض ذلك من الأرباح الوفيرة التي يجنونها من هذه التجارة.. مشيرا إلي أن الاتجار غير المشروع في المواد المخدرة وما ينتج عنها من أرباح كبيرة وضخمة والتي يدفعها المتعاطون والمدمنون يجعل تجار المخدرات يلجأون إلي غسل أموالهم من خلال الاستثمار في الخارج حيث المواقع الشهيرة لغسل الأموال، ومن هنا يتم تبديد الموارد المتاحة للبلدان النامية في إنفاق غير منتج وغير نافع لعملية التنمية بها، إلي جانب إهدار الإمكانيات المتاحة لاستخدام موارد الاقتصاد في استثمارات منتجة يكون الاقتصاد في أمس الحاجة إليها. ويري أستاذ الاقتصاد أن الاتجار في المخدرات يحمل اقتصادات البلدان النامية أعباء كثيرة تتمثل في النفقات التي تتحملها الدولة في مكافحة هذه الجريمة والوقاية منها والعمل علي علاجها. ويحذر النجار من خطورة استمرار ظاهرة الاتجار في المخدرات وكذلك تعاطيها وإدمانها خاصة في المجتمع المصري الذي أصبح مقسما إلي شعبين: أولئك الذين يملكون والذين لا يملكون في ظل تآكل الطبقة الوسطي. آثار سلبية يقول الدكتور نبيل حشاد الخبير الاقتصادي إن تجارة المخدرات لها آثار سلبية علي الاقتصاد علي المستوي العالمي وهي تصنف علي انها جزء أساسي من الاقتصاد الخفي وهي مشهورة في دول أمريكا اللاتينية خاصة كولومبيا، وأيضا في الولاياتالمتحدة وإيطاليا، حيث يمثل الاقتصاد الخفي في هذه الدول نسبة 30% من اجمالي الناتج المحلي لها وتحتل تجارة المخدرات نصيب الأسد من هذه النسبة.. أما في مصر فلا توجد دراسات متعمقة خاصة بالاقتصاد الخفي لكن توجد بعض التقديرات ليست مبنية علي أسس علمية تقول إن الاقتصاد الخفي في مصر يقدر بحوالي 22% من إجمالي الناتج المحلي.. ويري د. حشاد أن تجارة المخدرات لا تمثل ظاهرة تهدد المجتمع المصري لكنها موجودة وبدأت تنتشر بين الشباب والعاطلين عن العمل.. وهنا تكمن الخطورة، حيث إن الشباب هم عماد المستقبل وتورطهم في التجارة أو التعاطي والإدمان يعني اننا سنجد شبابا مدمرا نفسيا وضعيفا جسمانيا وعقليا. وتتفق معه في الرأي الدكتورة هبة نصار مدير مركز البحوث والدراسات الاقتصادية بجامعة القاهرة في أن الاقتصاد يتأثر سلبا بانتشار المخدرات وتجارتها وتعاطيها.. وتوضح أن أضرار هذه التجارة عديدة ومتفاوتة في خطورتها علي اقتصاد البلد حيث تؤثر سلبا علي القدرة الإنتاجية كما تضعف الصحة وتسحب الأموال من الاقتصاد القومي فيصرف المتعاطون أموالهم ومدخراتهم علي المخدرات.. هذا غير السلوكيات الخطيرة التي يكتسبونها التي تسيء للمجتمع ككل وإلي الاقتصاد أيضا حيث تتجه القوي الشرائية من الاستهلاك الحميد إلي الاستهلاك السلبي الخبيث مما يؤثر بالسلب علي الاستثمار. وتضيف د. هبة أن عمليات غسل الأموال نتاج طبيعي للاتجار غير المشروع والذي تحتل تجارة المخدرات فيه النصيب الأكبر حيث يشمل تجارة السلاح والأعضاء والرقيق، وكلها تؤثر علي الاقتصاد وتؤدي إلي تبديد جزء كبير من موارد المجتمع، حيث يقدر المنفق علي المواد المخدرة بنسبة 2.5% من عوائد الدخل القومي.. محذرة من اتساع سوق الاتجار غير المشروع في المواد المخدرة بمصر حيث بلغ حجم تجارة المخدرات عام 2007 نحو 18.2 مليار جنيه منها 15.7 مليار جنيه قيمة الزراعات و900 مليون جنيه قيمة المواد المصنعة. وتقول الدكتورة سهير لطفي رئيس المركز المصري لمكافحة الإدمان والتعاطي إن مصر سباقة بين دول العالم في مواجهة هذه الآفة وإنشاء المراكز المتخصصة في مكافحة المخدرات فكانت مصر سباقة بإنشاء المجلس القومي لمكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.. مشيرة إلي أن مصر تنفق سنويا حوالي نصف مليار دولار في علاج المدمنين.. وتعتبر د. سهير أن مقاومة تجارة المخدرات في مصر قضية أمن قومي لأنه من معطف هذه التجارة تخرج اقتصادات أخري تحت مظلة غسل الأموال مثل تجارة السلاح.. وتقول إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب جهدا تقوم به كل من الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني التي من الممكن أن تلعب دورا رئيسيا في مواجهة هذه المشكلة المعقدة التي تستنزف اقتصادات الدول وطاقات الشعوب.