تواجه دول شرق أوروبا حاليا أسوأ أزمة اقتصادية منذ انهيار الشيوعية ونظم التخطيط الاقتصادي المركزي وبدء عمليات الخصخصة والتحرير الاقتصادي وما اعقب ذلك من استقرار استمر قرابة عقدين من الزمان. وتقول مجلة "الايكونوميست" أن كبريات الاقتصادات الشيوعية السابقة سوف تنكمش هذا العام بنسبة 3% حسب تقديرات شركة الاستشارات كابيتال ايكونوميكس ومع ذلك فينبغي التنبه إلي أن الأمور لاتسير في دول شرق أوروبا علي وتيرة واحدة وان ظروف كل دولة من هذه الدول تختلف عن الأخري. وأن قلة منها فقط هي التي سوف تحتاج إلي ضمانات مالية من صندوق النقد الدولى. ومن هذه الدول على سبيل المثال لاتفيا التى يتوقع أن ينكمش اقتصادها هذا العام بنسبة 12% والتى اعتبرتها وكالة الملاءة sp دولة تقف علي حافة الإفلاس. وقد حصلت لاتفيا بالفعل علي ضمانة مالية تحت اشراف صندوق النقد الدولي قيمتها 7.5 مليار يورو (9.56 مليار دولار). وتعتبر المجر ايضا من الدول سيئة الحظ حيث تعاني من ثقل ديون باهظة وقد حصلت المجر في أكتوبر الماضي علي ضمانة من صندوق النقد الدولي قيمتها 25 مليار دولار وهي تواجه في عام 2009 انكماشا اقتصاديا قد تصل نسبته إلي 6% أما الدولة الثالثة في هذا السياق فهي أوكرانيا التي تعاني من الفساد وانكماش السوق الروسية التي تعد السوق الرئيسي للصادرات الأوكرانية وقد حصلت أوكرانيا من الصندوق في نوفمبر الماضي علي ضمانة حجمها 4.5 مليار دولار اضطرصندوق النقد الدولي إلي وقف قسطها الثاني البالغ حجمه 1،9 مليار دولار بسبب مشاجرات الساسة الأوكرانيين. وينتظر ان ينكمش اقتصاد أوكرانيا بنسبة 10% هذا العام. ومن الدول الأخري التي تتجه إلي الحصول علي ضمانات مالية من صندوق النقد الدولي ببلاروسيا وجورجيا وصربيا. ولكن باقي الدول الشيوعية الأوروبية السابقة فهي تتمتع بأوضاع اقتصادية افضل حالا. ومن تلك الدول بولندا صاحبة أكبر اقتصاد من بين الدول حديثة الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي فهي لا تعتمد علي التصوير إلي باقي بلدان الاتحاد الأوروبي ولذلك فهي لا تزال بعيدة عن الانهيار. كذلك فإن وضعها المالي يعتبرجيدا بالمقاييس الأوروبية حيث ان حجم ديونها لا يتجاوز 50% من إجمالي ناتجها المحلي وهي أما تنمو نموا طفيفا جدا او تنكمش انكماشا طفيفا جدا ايضا في العام الحالي ولكنها ليست معرضة لأي انكماش كبير. أما ديون شركاتها وقطاعها العائلي بالعملة الصعبة فهي لا تتجاوز 30% من إجمالي ديون القطاع الخاص الأوكراني في حين تصل هذه النسبة إلي 60% في المجر. وتعد جمهورية التشيك ثاني أكبر اقتصاد في الدول حديثة الانضام إلي الاتحاد الأوروبي وهي في حالة اقتصادية جيدة ولن يتجاوز انكماش إجمالي ناتجها المحلي 2% هذا العام وتعد جارتها سلوفاكيا في وضع افضل وهي تستعد لدخول عضوية منطقة اليورو خلال العام الحالي. وتستطيع سلوفاكيا مثل سلوفينيا التي انضمت منذ عامين أن تتمتع بحماية من دول اليورو الغنية وفي باقي الدول الشيوعية السابقة سنجد الصورة مختلفة حيث الصادرات الرئيسية لهذه الدول تتكون من المواد الخام والمنتجات الزراعية والعمالة. وفي ستة من هذه الدول سنجد أن تحويلات العاملين في الخارج تمثل 10% من إجمالي ناتجها المحلي أو يزيد عن ذلك (النسبة في طاجيكستان ومولدوفا تزيد علي 30% من إجمالي الناتج المحلي) والحقيقة اننا لاينبغي أن نضع أوروبا الشرقية مع الدول الشيوعية السابقة في سلة واحدة علي اساس اشتراكهما في الخضوع للحكم الشمولي لسنوات طويلة. فهناك في شرق أوروبا اقتصادات جيدة بل أن بعضها قد يتفوق علي بعض دول أوروبا القديمة مثل اليونان التي اخترعت الديمقراطية ولم تخضع أبداً للحكم الشيوعي ولكن أوضاعها الاقتصادية الراهنة بالغة السوء. وتقول مجلة "الايكونوميست" أنه ربما كان التعطش إلي رأس المال هو السمة الوحيدة التي تجمع الاقتصادات الشيوعية السابقة. وعلي امتداد العقد الأخير كانت الدول الشيوعية السابقة تحصل علي رأس أما عن طريق الاقتراض من اسواق السندات أو عن طريق الاستثمارات الأجنية المباشرة أو عن طريق بيع الأسهم في البورصات العالمية. ولا شك أن الدول التي اعتمدت اساساً علي الاستثمارات الأجنبية المباشرة هي التي تواجه أوضاعا أفضل في الوقت الراهن لأن هذه الاستثمارات يصعب ان تغادر بسرعة الدول التي كانت قد ذهبت إليها خلال سنوات الازدهار الاقتصادي العالمي ونستطيع القول بعد هذا الاستعراض السريع والموجز لأوضاع أهم البلدان الشيوعية السابقة أن الأزمة في هذه البلدان لن تكون عصية علي الترويض ولكنها اذا تركت دون معالجة فقد تسفر عن كارثة. وبالفعل فقد استطاعت الدول الشيوعية السابقة أن تصمد في وجه المرحلة الأولي من الأزمة الاقتصادية العالمية بفضل سياساتها السليمة وما تلقته من دعم خارجي. أما المرحلة الثانية التي سيتحول فيها العالم الغني ليصبح بخيلا وأكثر اعتمادا علي الاجراءات الحمائية فإنها ستكون اصعب خصوصا لو وضعنا في الاعتبار أن الاقتصادات الشيوعية السابقة سيكون عليها هذا العام سداد أو التعامل مع قروض قصيرة الاجل حجمها 400 مليار دولار. ان عدد هذه الدول يناهز 30 دولة ولا شك أن اي انهيار فيها يمكن ان تنتقل عدواه بسرعة إلي الآخرين. خاصة لوكان هذا الانهيار يخص قيمة العملة الوطنية. وقد تلاحظ أن دول شرق أوروبا هي أكثر الاطراف الآن دعوة إلي الالتزام بقواعد عمل الاتحاد الأوروبي وعدم الانخراط في سياسات حمائية لأن هذه الدول صنعت تقدمها في السنوات الأخيرة اعتمادا علي هذه القواعد. ونأمل في الخروج من أزمتها الراهنة اعتمادا علي هذه القواعد وتأمل في الخروج من أزمتها الراهنة اعتمادا علي القواعد نفسها. ولا بد من القول ايضا أن ترك دول شرق أوروبا لمصيرها سيؤثر لا محالة علي مستقبل الاتحاد الأوروبي كلة. ولذلك سيتعين علي الاتحاد الأوروبي وفي القلب منه دول اليورو أن يتحمل كل فاتورة انقاذ الدول الشيوعية السابقة فهي مهما كان حجمها لأن تركها أو ترك أي دولة منها لتقع فريسة للانهيار سيكون له تداعياته الخطيرة التي قد تؤدي إلي تصدع منطقة اليورو وربما تفكك الاتحاد الأوروبي كله.