كشفت قضية "أسعار الفائدة" التي تفجرت في الفترة الماضية عن وجود انقسام خفي بين الحكومة ومجتمع رجال الأعمال من جهة وبين البنك المركزي من جهة أخري حيث يطالب الطرف الأول بضرورة خفض أسعار الفائدة لتشجيع الاستثمار وأصر الأخير علي الابقاء علي اسعار الفائدة مرتفعة وذلك لحماية أموال المودعين في مجابهة التضخم. الخلاف الذي لاحت بوادره في الأفق يعكس مخاطر تزايد الهوة بين السياستين المالية والنقدية في أوقات حرجة تحتاج إلي مزيد من التنسيق للمرور بسلام من عنق الزجاجة. وبالرغم من هذه المستجدات فإن المجلس التنسيقي المنشأ بقرار رئيس الجمهورية رقم 17 لسنة 2005 برئاسة الدكتور أحمد نظيف وذلك لتحقيق أهداف السياسة النقدية بما يحقق المواءمة بينها وبين السياسة المالية وبما يخدم اهداف السياسة الاقتصادية بوجه عام لم ينعقد منذ سبتمبر الماضي وذلك لبحث تداعيات الأزمة علي الرغم من أن القانون ينص علي ضرورة أن ينعقد علي الأقل كل ثلاثة أشهر وكلما استدعت الضرورة وهو ما يثير عددا من التساؤلات هل ستعود الهوة مجددا بين السياسيتين المالية والنقدية في ظل غياب دور المجلس التنسيقي؟! وهل استقلال المركزي لن يكون ميزة في الفترة القادمة؟ يذكر ان تشكيل المجلس نص عليه في المادة (5) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقدي برئاسة رئيس الوزراء وعضوية عدد من الاعضاء بحكم مناصبهم يتمثلون في الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية والدكتور عثمان محمد عثمان وزير التخطيط والدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار والدكتور فاروق عبدالباقي العقدة محافظ البنك المركزي اضافة الي عضوية عدد من الخبرات العالمية من المتخصصين في الشئون الاقتصادية والمصرفية والمالية يتمثلون في الدكتور عبدالشكور شعلان ممثل مجموعة الدول العربية بمجلس ادارة صندوق النقد الدولي والدكتور محمد العريان رئيس قسم الشرق الاوسط في صندوق النقد الدولي سابقا والخبير العالمي في السياسات النقدية والمالية واسماعيل حسن عضو مجلس ادارة بنك الاستثمار القومي والدكتورة هبة حندوسة مدير مركز الدراسات الاقتصادية للشرق الأوسط وعبدالحميد أبوموسي محافظ بنك فيصل الإسلامي وهمام بدر همام رئيس مجلس إدارة شركة الشرق للتأمين. وأكد ان الفجوة المتسعة بين السياستين في الدول النامية كانت سببا اساسيا في تعميق تأثير الازمات العالمية علي اقتصادات هذه الدول فيما اشتهر علي مدار العقود الماضية بتبعية السياسة النقدية للمالية، الأمر الذي اضفي مزيدا من التشوهات علي الأداء الاقتصادي للدول النامية علي مدار هذه السنوات حيث عكفت علي تطبيق روشة التثبيت والتكيف الهيكلي بكل حرفية متناسية ضرورة تحقيق الضبط الداخلي من خلال التنسيق بين الشقيقتين وهو ما ينطبق أيضا علي مصر شأنها شأن بقية الدول النامية وساهم الاصلاح الاقتصادي في تقريب وجهات النظر بين السياستين بعد ان أدي التضارب وعدم التنسيق بينهما إلي آثار غير محمودة ضربت الاقتصاد المصري علي مدار سنوات طويلة خاصة بعد ان تكشفت ملامحها مع بداية حقبة الألفية فالحقيقة ان فترة التسعينيات كانت بمثابة فترة لتناول المسكنات فأسباب تدني معدل التضخم يرجع الي ان مجمل فترة التسعينيات كانت انكماشية رغم بعض محاولات الانتعاش التي جوبهت بتفاقم عجز الميزان التجاري والضغط علي سعر الصرف والاتجاه الانكماشي الذي ولد آثارا ايجابية فيما يتعلق بمعدل التضخم ونسبة عجز الموازنة الي الناتج المحلي الاجمالي وعجز الميزان التجاري كما ان النمو الاقتصادي الذي تحقق في مصر خلال هذه الفترة جري بالدرجة الأولي استنادا الي النمو في احجام عوامل الانتاج والتي تتمثل في العمل ورأس المال العيني وكانت مساهمة النمو في انتاجية هذه العوامل في تحقيق النمو الاقتصادي محدودة للغاية. وفي عام 2003 جاء قانون البنوك بمثابة "طوق نجاة" للاقتصاد المصري خاصة انه جعل تبعية البنك المركزي لرئيس الجمهورية وبذلك يكون البنك مستقلا عن الحكومة لان رئيس الجمهورية طبقا لهذا القانون هو رئيس السلطة التنفيذية كما هو الحال مع الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يتبع رئيس الجمهورية بوصفه رئيس السلطة التنفيذية وبالتالي أصبح عمل محافظ البنك المركزي تنفيذيا ويتبع رئيس الجمهورية بوصفه رئيسا للسلطة التنفيذية لا بوصفه رئيسا للدولة وانه مستقل عن الحكومة كما ان محافظ البنك المركزي يخضع لرقابة المجلس لان المجلس يراقب السلطة التنفيذية ولا يراقب الحكومة فقط وجاء هذا القانون ليواكب خطط الاصلاح المصرفي ويقنن من تداعيات سلبية خلفتها الأحداث الدرامية التي بدأت في عام 1995 بقضية نواب القروض والتي صدرت احكام قضائية بادانة جميع المتهمين ال32 فيها ثم توالت القضايا مثل قضية بنك مصر اكستريور والتي اتهم فيها عبدالله طايل رئيس البنك السابق وعدد آخر من قيادات البنك والعملاء الي جانب قضية بنك القاهرة والمتهم فيها محمد أبوالفتوح رئيس البنك السابق وايضا بعض العملاء ومديرو البنك وصدور عدة قرارات تنفيذية باجراء تغييرات في رئاسة وقيادات البنوك بهدف تجديد دماء القيادات واصلاح المسار للجهاز المصرفي تجنبا لوقوع أية كوارث مالية جديدة.