ضربة غزة لم تصب حماس بأي قدر من الأذي.. ومازالت حماس بعد 3 أسابيع من الحرب بقوتها قبل الحرب.. وسيرتها وشعبيتها أساطير تحلق حتي في سماوات الضفة الغربية المخاصمة..! غرابة الأمر تضع إدارة باراك أوباما أمام موقف حرج: خيار سياسي عاجل يدعو لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو مطلب مصر الملح وحكومة الرئيس محمود عباس.. أو مواصلة عزل حماس، والانخراط في إعادة تعمير غزة والضفة كبديل سياسي لحماس واسلامها الذي بصمه جورج بوش بأنه "راديكالي متطرف"! والمطلب دولي ملح.. لأن اعادة اعمار غزة لا يقبل التراخي أمام الجهود الدولية وحلف الاطلنطي والتمويل الحاضر، وحرص أجنحة القوي الفلسطينية علي حرمان حماس من شرف إعادة اعمار ما تم بسببها هدمه وتقويضه! وخيار الاعمار يحتل في قلب باراك أوباما مكانة خاصة.. وهو يتمني في أعماقه تعظيم هذا الدور علي المستوي الشامل لعملية السلام بين العرب وإسرائيل. ولنتذكر أن إدارة بوش الراحلة رفضت التعامل مع حماس بأي سبيل كان.. وعرقلت جهودا سعودية لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية.. الأمر الذي أدي بحماس إلي الاستيلاء علي غزة بعد حرب أهلية محدودة في العام 2007! في خطابه الافتتاحي التاريخي حرص الرئيس الأمريكي باراك أوباما علي أن يتحدي المتطرفين في الشرق الأوسط.. بكلماته الجريئة: "لابد أن تعرفوا أن شعوبكم سوف تحكم عليكم في ضوء ما تستطيعون تشييده.. وليس ما تستطيعون تدميره".. وهي اشارة غير مباشرة لما جري في حرب غزة من تدمير عمدي إسرائيلي وافناء للعمار والأرواح.. ورغم ذلك عجزوا عن خلع حماس من مقاعد السيطرة.. وبقي الرئيس محمود عباس ورجالات فتح في مكامنهم في رام الله! وفي خطابه الافتتاحي لرئاسته الثلاثاء الماضي وفي اتصالاته التليفونية بقادة دول الشرق الأوسط في الصباح التالي، حرص أوباما علي أن يجسم في أذهان زعماء المنطقة قيمة إعمار غزة ورمزيته.. قال لهم: لمن سيذهب الفضل فيما تم من تشييد؟ ردت زعامات في السعودية، ومثلها في إسرائيل: "إن أفضل الخيارات أن تشكل حكومة وحدة وطنية لفلسطين لتتولي مسئولية ضبط أموال الاعمار المتدفقة، وحسابات الانشاء والرصف والبناء.. والكل مسئول عن الواحد.. والواحد مسئول عن الكل! لكن أعضاء الفصيلين الفلسطينيين امتعضوا للفكرة وشيوع المسئولية! بينما تزاحمت دول المنطقة علي اقتناص شرف التنفيذ.. من مصر إلي السعودية حتي إسرائيل الجانية وأس الحرب! فضلا عن الفصيلين الفلسطينيين الاساسيين فتح وحماس كل منهما يكن للآخر عداء الاضداد، ومزيدا من الاحتقار! ثم ما هو الثمن الذي يمكن أن تطالب به حماس "أبو مازن" أو أبو مازن من حماس؟ وما هي مخاطر أن يجتمع الطرفان اللدودان في "حكومة وحدة وطنية" تلد في كل تصرف مزيدا من التنازع والاغراق في الخصام؟ وما مخاطر الوحدة الوطنية إن ارتأي الطرفان المتنازعان إجراء انتخابات مبكرة تحدد لكل حجمه السياسي في الشارع الفلسطيني.. وفي توقيت أضعفت فيه الحرب منظمة فتح وأخرجتها من خط النضال، ورفضت فيه حماس السماح لفتح باسترداد حضورها التاريخي في شوارع غزة الغاضبة؟! علي أن إسرائيل والغرب كحقيقة سياسية سمحت بتطوير حكم فتح للضفة في عهد محمود عباس، وسلام فياض رئيس الوزراء، وبتراض تام مع حماس. لكن اهتمامات الأطراف جميعها أصابتها أخيرا ضربة زلزال.. مليارات الدولارات التي سيصبها الغرب في شوارع غزة لإعادة إعمارها تحت إشراف حلف الاطلنطي، وبعيدا عن رقابة كل الأطراف الفلسطينية، وكأنهم يعيدون إعمار ألمانيا بعد الحرب العالمية! وحماس ربما كان معها شيء من الحجة والحق.. فقد خرجت من الحرب، كما يقول المحلل الفلسطيني خليل شيكاكي: "بلا كسور.. وأكثر شعبية عند العرب والفلسطينيين"! ثمة تصريحات فرنسية كذلك تشجع حماس وتعينها علي عنادها.. تقول الخارجية الفرنسية: "حماس لم تعد تعترف بسلطة محمود عباس التي انتهت في 9 يناير الجاري.. وهي لا تعترف مطلقا بشرعية سلطة سلييان فياض رئيس الوزراء لأنه لم يتم انتخابه للمنصب"! والحق أن محمود عباس "أبومازن" أصبح قوة مستهلكة. وهو لم يرشح لنفسه بديلا رسميا ولا حتي ظاهرا. ورئيس الوزراء سليمان فياض لا يصلح مرشحا للرئاسة.. فهو مجرد تكنوقراط، وليس شخصية سياسية.. ثم إنه بلا حزب يسنده ويقيم قامته السياسية! وعلي أجنحة السلطة يتراءي قائد فتح مروان البرغوتي.. لكنه يا والداه حبيس زنزانته لخمسة أحكام بالسجن المؤبد مدي الحياة، قد تستغرق من عمره قرونا.. إن امتد به الأجل وطال! افرايم هالفي، الرئيس السابق لجهاز الموساد يدلي بدلوه في هذا الوضع الفلسطيني الشائك.. ينحت بالقبح كلماته: "السلطة الفلسطينية، وفتح داخلها منذ زمن وهي جسد أجوف وممتقع، تعوزه المساندة الشعبية"! وفي مقال له في يديعوت أحرونوت، وصف هالفي محاولة باراك أوباما وضع تصميم لمستقبل الفلسطينيين..: "هذه محاولة لوضع أسس ورؤية لمستقبل الفلسطينيين.. لكن أوباما ليس هو القائد الجديد الوحيد في الأفق الانتخابي.. هناك في 10 فبراير المقبل انتخابات اليمين الاسرائيلي في الليكود.. سوف ينجح فيها بنيامين نتنياهو.. وهو يؤمن بأن حماس عدو أبدي.. ولابد من هزيمتها!". ويزايد علي ما سبق جرينشتاين من مؤسسة الرأي "ريوت" يقول: "في خضم هذه الفوضي الجارية من الأفضل لباراك أوباما ألا يحاول الوصول إلي أهداف لا يمكن الوصول إليها.."!