صناعة الغزل والنسيج هي الصناعة التي يري أهلها أن ظروفا عدة وحلقات متتالية تكالبت علي اضعافها بعد أن كانت مصر رائدة فيها.. ويرصدون هذا التراجع بداية من تقليص دور القطاع العام إلي تحرير تجارة القطن التي تسببت في ارتفاع أسعاره انتهاء بأحدث حلقات هذا المسلسل وهو الخلاف الدائر بين مصنعي هذا القطاع حول "الغزول المستوردة" فمصنعو الغزل يطالبون بفرض رسوم اغراق علي الغزول المستوردة لانخفاض سعرها ومنافستها القوية لهم بينما يري مصنعو المنسوجات أن من حقهم الاستفادة من هذه المنافسة السعرية لتحقيق عائد علي الصناعة والاقتصاد القومي.. وهكذا كانت تفاصيل الخلاف وهذه المفارقة كما رصدتها العالم اليوم "الاسبوعي". نتائج اجتماع غرفة الصناعات النسيجية مؤخرا يجسد إلي شكل كبير احدي حلقات مسلسل الخلاف التي جعلت القضية أكثر تعقيدا فبحسب ما قال لنا محمد القليوبي رئيس الغرفة فقد كان هناك اجماع علي أنه من المصلحة العامة للصناعة عدم فرض رسوم حماية علي الغزول المستوردة لأنه سيضر بالصناعة المحلية مشيرا إلي أنه من الناحية القانونية فمن حق مصر أن تفرض رسوم "سيف جارد" علي غزول بعض الدول المصدرة لمصر وهناك قضية مشابهة حكم فيها لصالح تركيا ضد الغزول المصدرة إليها وكانت مصر ضمن الدول التي من المفترض أن يفرض عليها هذا الرسم إلا أنه تم استثناؤها بعد تدخل وزير التجارة والصناعة بشكل شخصي، إلا أنه من ناحية أخري فإن الغرفة تري أنه لكي نفرض هذه الرسوم علي الغزول المستوردة فيجب أن تكون هناك منافسة عادلة بمعني فرض رسوم أيضا علي المنسوجات التي يتم اغراق السوق بها من جنوب شرق اسيا وغلق جميع منافذ التهريب التي تسرب للسوق منسوجات رخيصة تزيد العبء علي منتجي المنسوجات في السوق المحلي. ويتفق معه في ذلك محمد المرشدي عضو مجلس إدارة غرفة الصناعات النسيجية حيث يري أن فرض أي رسوم حماية أو وقاية أو اغراق علي سلعة خاصة بالصناعات النسيجية بدون مكافحة التهريب سيزيد من أعباء هذه الصناعة، مشيرا إلي أن المناطق الحرة الخاصة أصبحت بؤرة من بؤر تهريب المنسوجات إلي مصر وكذلك يفتح نظام السماح المؤقت بشكله الحالي الباب للتهريب حيث إن المصانع تستورد منسوجات بما يفوق طاقتها الإنتاجية اضافة إلي أن النظام الحالي يتيح لهذه المصانع أن تحتفظ بهذه المنسوجات 4 سنوات وهو ما يتيح لها تسريبها إلي السوق بينما من المفترض أن تكون فترة السماح 6 أشهر فقط علاوة علي أن "نسبة الهالك" في نظام السماح المؤقت تفتح الباب أيضا للتهريب. ويضيف المرشدي أن تجارة الترانزيت أصبحت هي الأخري إحدي آليات تهريب المنسوجات للسوق المصري مؤكدا علي أن كل هذه العوامل ساهمت في ايجاد منافسة غير عادلة في السوق المحلي حيث إن الاقمشة المهربة سعرها أقل من سعر الاقمشة المحلية 25% بحساب فارق تكلفة الجمارك وضريبة المبيعات وهناك مصانع توقفت عن الانتاج بسبب هذه الاقمشة المهربة وفي حالة فرض رسوم علي الغزول المستوردة سيرتفع سعرها ويزيد العبء أكثر علي مصنعي المنسوجات المحليين. ويؤكد حمدي أبو العينين وكيل الغرفة التجارية في محافظة القليوبية أن ما يعمق من المشكلة هو أن الغزول المحلية لا تكفي لمتطلبات السوق علاوة علي أن نسبة كبيرة من الغزول المحلية "رديئة" وهي العوامل التي ستجعل رسوم الاغراق تؤدي لارتفاع تكلفة الإنتاج علي مصنعي المنسوجات لاعتمادهم علي الغزول المستوردة وتزيد الاعتماد علي الاقمشة المهربة كما أنها ستؤدي لارتفاع تكلفة المنسوجات المصدرة إلي الخارج وتقليل قدرتها التنافسية في الاسواق الدولية لافتا إلي أن الغزول المستوردة حاليا تقل أسعارها عن المحلية بحوالي 10 أو 20% علي حسب نوع الفتلة. وفي المقابل يري محمد الهامي عبدالمنعم رئيس شركة مصر العامرية للغزل والنسيج أنه من الطبيعي أن ترتفع أسعار الغزول المستوردة بعد فرض رسم اغراق عليها ولكن في المقابل سيؤدي استمرار الوضع الحالي إلي تدمير صناعة الغزل المحلية لافتا إلي أن الغزول المستوردة يتم دعمها في الدول المنتجة لها بآليات دعم مختلفة خلال مرحلة الإنتاج. ويعتبر الهامي أن الغزول المحلية تكفي لتلبية الطلب في السوق وأن مستوي جودتها علي المستوي اللائق. ويتفق معه د. منير حمدي رئيس شركة العربية بولفار مشيرا إلي أن هناك دولا عدة تصدر غزولا منافسة للغزول المحلية كسوريا وفيتنام والهند وغيرها ويطالب بفرض رسوم حماية علي هذه الغزول حيث يلفت إلي أنه خلال ال 9 أشهر الماضية استوردت مصر 42 ألف طن فيما كانت صادرات مصر من الغزول خلال 2004 2005 حوالي 7 آلاف طن فقط وأن كمية الغزول المستوردة ارتفعت 6 أضعاف خلال السنوات الثلاث الماضية، مؤكدا علي أن منظمة التجارة العالمية تعطي لمصر الحق في فرض رسم حماية إذا تجاوزت الواردات نسبا معينة وهي النسب التي تجاوزتها الغزول المستوردة بالفعل. ويرفض د. حمدي الآراء التي تقول إن هناك حاجة قوية للغزول المستوردة مشيرا إلي أن لديه أكثر من 5000 طن مخزنة بسبب منافسة الغزول المستوردة، إلا أنه يتفق مع الآراء الذاهبة إلي أن بعض منتجات الغزول المصرية أقل في الجودة لوجود حاجة لتحديث ماكينات الإنتاج، إلا أن هذا التحديث من الصعب تنفيذه في ظل ظروف منافسة الغزول المستوردة والتي تجتمع علي مصانع الغزل الخاصة مع حرق الأسعار الذي تمارسه مصانع غزول القطاع العام لتمويل نفقاتها. ويوافق علي الرأيين السابقين سعيد الجوهري رئيس النقابة العامة للغزل والنسيج قائلا إن المستثمرين الذين ينادون بعدم فرض رسوم اغراق علي الغزول المستوردة يبحثون عن مصالحهم ولكن من ناحية أخري فهناك 100 ألف عامل في قطاع الغزول العام والخاص وأن مصالحهم مهددة بسبب الخسائر التي تحققها مصانع الغزول من الغزول المستوردة، مؤكدا علي أن فرض هذه الرسوم ضرورة لتعميق الصناعة المحلية. كما يلفت إلي أن هناك عوامل عدة علي المصانع المحلية للغزل تجبرها علي رفع أسعار منتجاتها كارتفاع أسعار القطن لافتا إلي أن أسعار القطن المحلي ارتفعت هذا العام 50% عن العام الماضي.