من المهم أن نعرف آراء الخبراء الاقتصاديين حول جدوي مشروع ممر التنمية ومدي ما يشكله من أهمية اقتصادية، وكذلك للوقوف علي المصادر المطلوبة والمناسبة لتمويله لاسيما في ظل تضخم الموازنات الخاصة بتنفيذه. تنمية شاملة يري المهندس حسب الله الكفراوي وزير: الإسكان الأسبق أنه لا خلاف علي أهمية مشروع ممر التنمية بالصحراء الغربية وجدواه الاقتصادية لمصر خاصة أنه يعد أملا جديدا في الامتداد العمراني والتنموي وربط الوادي بالصحراء الغربية بما يضاعف المنطقة المأهولة في مصر عدة مرات. منوها إلي أن فكرة إنشاء هذا الأمر قد تم طرحها في عهد الرئيس أنور السادات حيث أعلن الرئيس في الثمانينيات عن عزمه اهداء دولة السودان الشقيقة ميناء علي البحر الأبيض المتوسط، ونظرا لأن التكلفة المبدئية آنذاك كانت باهظة توالت العديد من المقترحات لايجاد سبل وآليات جادة للتمويل كان أبرزها اقتراح د. مصطفي خليل بأن تتولي شركة "فيات" الإيطالية تمويل المشروع مقابل حصولها علي حق امتياز له يمتد عدة سنوات. وكان رد الرئيس السادات آنذاك رفضا قاطعا حتي لا يتكرر خطأ إعطاء الشركات الأجنبية حق امتيازات جديدة في مصر لم نستطع التخلص من إحداها (ويقصد بها قناة السويس) إلا بشن حرب. وطالب بأن تتولي الحكومة المصرية التمويل ذاتيا لهذا المشروع من مواردها الخاصة. وهنا تم البدء في إعداد دراسة عملية دقيقة ومتخصصة وإسناد مهمة إعداد الخرائط الطبوغرافية لتدقيق المسار الطولي والمسارات العرضية وتحديد الجوانب التنفيذية للمشروع إلي العالم الجليل د. فاروق الباز. حيث يبدأ المسار للمشروع من درب الأربعين علي حدود السودان جنوبا وحتي العلمين شمالا بما يشمله ذلك من إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة موازية لطول الوادي تتعدد فيها الأنشطة الاقتصادية ما بين استثمار للمياه الجوفية والمناطق السياحية والتوسع الصناعي وغيرها حسب مدي ملاءمة ذلك لكل منطقة داخل الوادي القديم. وكل محافظة لها ظهير علي هذا الطريق، حيث كان سيتم ربط كل محافظة مع الطريق بطرق أخري عرضية لاستغلال الامكانيات الموجودة داخل كل محافظة وربط استثماراتها بالطريق مباشرة بما يحقق تنمية اقتصادية محلية علي نحو غير مسبوق. وكانت عقبة التمويل وراء تأجيل هذه الفكرة. وينوه المهندس حسب الله الكفراوي إلي أن إعادة طرح فكرة هذا المشروع العملاق يعد أملا جديدا لتحقيق التنمية الشاملة خاصة أنه يرتبط بتنمية الصحراء الغربية وإنشاء 400 قرية في الظهير الصحراوي. كما أنه يمثل انطلاقة جديدة علي طريق استثمار الموارد الطبيعية المتاحة في هذا المسار وتخفيف حدة الزحام السكاني في الوادي الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 5% من مساحة مصر الكلية. ويؤكد الكفراوي أن مشكلة تمويل هذا المشروع لم تعد عقبة حاليا خاصة مع تفعيل دور القطاع الخاص في التنمية، والاعتماد عليه بوصفه شريكا أساسيا في المشروعات التنموية المشابهة. مشددا علي ضرورة اللجوء إلي تنفيذ هذا المشروع بشكل تدريجي وعلي مراحل حتي نتمكن من تقييم الأداء التنفيذي ونتلافي أخطاء الماضي في المشروعات المشابهة وهذا هو النهج الذي تحرص الدول المتقدمة علي تبنيه لتنفيذ مشروعاتها التنموية الضخمة.. ولدينا نموذج مصري ناجح منه طريق مصر الإسكندرية الذي كان يلقب بالصحراوي والذي شهد الآن بالفعل فرصة حقيقية للاستثمارات المختلفة وهو ما نأمل في تحقيق لمشروع ممر التعمير مستقبلا. كنوز حقيقية فيما يؤكد د. صلاح جودة الخبير الاقتصادي أن الجوانب التنموية لهذا المشروع العملاق بمثابة سلم حقيقي للتنمية كما سبق ووصفه د. الباز شخصيا. ويقترح د. صلاح جودة لتمويل هذا المشروع الضخم طرح فكرة تنفيذ المشروع للاكتتاب العام واشراك الشعب بأسره في وضع اللبنة الأولي لهذا المشروع بوصفه مشروعا وطنيا قوميا لا يهدف فقط إلي التوسع العمراني والصناعي ولكنه يمد يد المساعدة للشباب المصري وتوفير فرص عمل هائلة بالإضافة إلي القضاء علي ظاهرة العشوائيات التي باتت تهدد مجتمعنا كما يقترح د. جودة ضرورة اسناد تنفيذ هذا المشروع العملاق إلي لجنة محايدة غير حكومية يتم تشكيلها من مجموعة متميزة من خبراء الجيولوجيا والاقتصاد والإسكان وغيرهم مشهود لهم بالوطنية والنزاهة لإدارة المشروع خاصة أن المردود الاقتصادي للنجاح في هذا المشروع لن تنعكس آثاره اجتماعيا فقط، ولكنه سيؤدي إلي انعاش النشاط الاقتصادي المصري ككل وخفض نسبة التضخم وتحقيق ما يمكن وصفه بالتنمية المستدامة داخل مجتمعنا. منوها إلي أنه من الأفضل توجيه أنظار الحكومة المصرية للمشروعات المشابهة بدلا من استنزاف مواردها في مشروعات لم يشعر المواطن المصري بأي مردود إيجابي لها حتي الآن مثل مشروع توشكي والفوسفات وأبوطرطور وخليج السويس (شرق التفريعة) وكلها مشروعات نالت حظها من الموارد و"البروبجندا" دون إحداث فارق حقيقي يمكن لمسه بالاقتصاد القومي. ضمان أكيد ويشير د. أحمد غنيم الخبير الاقتصادي ونائب مدير البحوث التجارية والاقتصادية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة إلي أن المردود الايجابي لهذا المشروع لا يشمل فقط الناحية الاقتصادية وإنما الاجتماعية أيضا. فقد يكون العائد المادي غير متوافر بشكل كبير علي المدي القصير، وإنما هناك ضمان أكيد لمردوده الايجابي الاجتماعي علي المدي الطويل لما سيوفره من فرص عمل حقيقية واستثمارية متوالية شريطة تحري الدقة في وضع دراسة جدوي مبدئية للمشروع تشمل الأطر المرجعية لدراسة الجدوي الفنية والاقتصادية له والتعرف علي الموارد المتاحة بمناطق المحاور العرضية الاثني عشر المقترحة مع الطريق الرئيسي والمحاوري بطول 800 كم ودراسة الفرص المتاحة في الاتجاهات الاقتصادية المختلفة في ضوء تحديد نوعية الموارد وحجمها. مشددا علي أن التنمية في أية مشروعات مشابهة تبدأ بتوفير المرافق والمواصلات حتي نضمن عدم حدوث تباطؤ في المردود الايجابي لها كما حدث في مشروع توشكي مؤكدا علي دور القطاع الخاص في المساهمة في تنفيذ هذا المشروع شريطة حرص الحكومة علي توفير عناصر جذب واعدة له تسمح بالتشغيل وتوقع العائد مثل إنشاء بوابات تحصيل رسوم المرور علي المسافات القصيرة بما يضمن لفت أنظار المستثمر المصري والأجنبي لجدوي المشاركة. كما أنه من المتوقع اللجوء إلي الجهات المانحة مثل (البنك الدولي) في حالة ظهور أية عقبات خاصة بالتمويل.