القضاء هو صاحب الكلمة الأخيرة في أي جريمة ومن بينها بالطبع جرائم الأعتداء علي حقوق الملكية الفكرية. لكن الشكاوي المتزايدة من عجز أصحاب الحقوق عن الحصول علي أحكام قضائية تدين من اعتدوا علي حقوقهم الفكرية تؤكد أن هناك مشكلة في التقاضي.. عدد من رجال القضاء والقانون يوضحون في هذا التحقيق أسباب هذه المشكلة وسبل علاجها. يوضح د. جميل عبدالباقي الصغير أستاذ القانون الجنائي بجامعة عين شمس أن الحماية الفكرية تعني حماية كل ما يتعلق بالإنتاج الفكري للمؤلفين والمنتجين وأصحاب الفكر بشرط أن يكون هناك إبداع جديد يتميز عن الآخرين ومنسوب إلي شخص معين بالذات وإذا تحققت هذه الشروط فالمشروع يضمن لصاحب الفكرة حقوقا له عليها تتمثل في الملكية الفكرية وحق الاستغلال المالي فيكون المؤلف بمثابة الأب الروحي للفكرة، وللغير أن يستفيد من هذه الفكرة بشرط أن يشير لصاحب الفكرة الأصلي ولكن يجب التمييز بين المعلومة والفكرة المحمية بقانون حق المؤلف التي تختلف أيضا عن النماذج الصناعية كبراءة الاختراع، مضيفا أن المشروع المصري وضع نصوصا تحمي الملكية الفكرية مثل المؤلفات المختلفة والمسرحيات والأفلام. مشيرا إلي أن هذه الحماية تكون علي مستوي القانون الجنائي وعلي مستوي القانون المدني وأيضا علي المستوي الإجرائي حيث يجوز للمتعدي عليه أن يلجأ لقاضي الأمور المستعجلة لاستصدار أمر سريع لحماية ملكيته الفكرية، والقانون الجنائي يحمي هذه الملكية عن طريق تجريم الاعتداء عليها ومعاقبة المعتدي بالحبس والغرامة. ويضيف جميل أن القانون المدني يتولي حماية هذه الملكية الفكرية عن طريق العقد ثم توقيع الجزاء المدني المتمثل في التعويض في حالة الاعتداء علي الحق، وقد نظم قانون الملكية الفكرية كل هذه الاحكام وتم تعديله بالقانون الصادر سنة 2002. وفيما يتعلق بالإحصائيات التي تشير إلي تزايد أعداد القضايا الخاصة بالملكية الفكرية والمنظورة أمام المحاكم يري د. جميل أن الرقم لا يستند إلي إحصائيات حقيقية لأنه يجب الرجوع إلي الجهات المعنية للوقوف علي إحصائية كاملة معبرة عن الواقع بالنسبة لأي رقم يذكر، مضيفا أن هناك عاملا آخر قد يساعد في زيادة أعداد هذه القضايا وهو ظهور التكنولوجيا الحديثة وتزاوج المعلوماتية بنظم الاتصالات واستخدام شبكة الإنترنت علي مجال واسع حيث أدي ذلك إلي زيادة تبادل الفكر وبالتالي الاعتداء علي الملكية الفكرية وزيادة هذه النوعية من الجرائم خاصة في ظل تزايد الفضائيات. ويوضح جميل أن جهاز نقطة الاتصال في مصر تولي إلقاء المحاضرات وعقد الندوات فيما يتعلق بكل جوانب الملكية الفكرية، بالإضافة إلي إعطاء دورات تدريبية في مجال حماية الملكية الفكرية لأنها تمثل منظمة التجارة العالمية ويدعو إلي مكافحة هذه النوعية من الجرائم بالنظر إلي ضخامة الاستثمارات التي تنفق في هذا المجال. المستشار شوقي عفيفي رئيس محكمة استئناف بني سويف والحاصل علي ماجستير في الملكية الفكرية. يشير إلي أن قضايا الملكية الفكرية تشمل قضايا براءة الاختراع والعلامات التجارية وحق المؤلف والأصناف النباتية والتصميمات والتخطيطات والدوائر المتكاملة، مضيفا أن المشكلة تبدأ وتحدث المنازعات بين الأفراد حينما يتعدي أحدهم علي حق شخص آخر كأن يحصل أحد الأفراد علي العلامة التجارية الخاصة بأحد المنتجات التي تباع وتشتري في الأسواق ولها مميزات معينة ولها شهرة عالمية حيث إن العلامة تميز المنتج ويتم الإقبال عليه بناء علي هذه العلامة، ومن ثم فإذا أقدم أحد الأشخاص علي وضع علامة تجارية مشابهة علي سلعة أخري بحيث يحدث لبس عند الجمهور نتيجة هذا الخلط فلا يستطيع أن يفرق بين السلعتين الأصلية والمزيفة، فإن هذا يعني تضليلا للمستهلك، منوها إلي أنه في هذه الحالة يتدخل القضاء لحماية صاحب العلامة الأصلية ومنتجه حيث إن القضاء المصري وضع قواعد حماية الملكية الفكرية من أيام مسرحيات فاطمة رشدي في عام 30 أي قبل صدور القانون، مضيفا أن هناك قوانين مبعثرة كانت موجودة مثل قانون البراءات "الملغي" لسنة 1949 وقانون العلامات التجارية لسنة 1939 حيث قام القانون الحالي بجمع هذه القوانين المبعثرة في قانون واحد يسمي قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002. ويوضح عفيفي أن انضمام مصر لاتفاقية "التربس" وهي الاتفاقية التي اعتنت أشد العناية بموضوع انفاذ الحقوق إلي الحد الذي أفردت معه لهذا الموضوع 21 مادة من موادها ال73 أي ما يقرب من 30% من جملة نصوص الاتفاقية وليس من قبيل المبالغة القول بأن هذه النصوص تشكل سيفا باترا من أجل حماية حقوق الملكية الفكرية.