يعتقد بعض القادة العرب أن معالم النظام العربي الرسمي سوف تسير في إطار مغاير عن مساره الحالي.. فالقمة العربية التي أنهت اجتماعاتها في دمشق عبارة عن محطة يتوقف عندها قطار الأنظمة قبل أن يعاود نشاطه علي السكة السورية لمدة عام.. وقبل افتتاح قمة دمشق بدأ الكلام يتكاثر عن الخلافات العربية واحتمال ظهور توجهات بالمقاطعة أو اختلافات علي برنامج الأولويات. هل هناك مبالغة في تصوير الخلافات العربية خصوصا تلك المتصلة بالقضايا الجوهرية؟! إن الدول العربية حتي الآن متفقة صوريا علي اعطاء أولوية للجانب الفلسطيني، وهي مجتمعة علي التمسك بمبادرة التسوية التي انطلقت في قمة بيروت وأعيد التأكيد عليها في قمة الرياض.. الموضوع الفلسطيني لا خلاف عليه ولا توجد وجهة نظر ظاهرة تؤكد أن جدول الأولويات تغير في هذا الشأن. فالكل يجمع علي اعطاء القضية الفلسطينية بعدها المركزي في سلسلة الملفات. والتوافق العربي علي التسوية جاء في حضور كل الدول العربية واجماعها علي أن فلسطين تشكل حجر الزاوية في سياسة جامعة الدول العربية. حتي حين حاولت الولاياتالمتحدة إثارة معارك جانبية وتخويف العواصم بوجود مخاطر جديدة لم تتجه جامعة الدول نحو تغيير برنامج أولوياتها بل حافظت علي مواقفها من دون تردد. وأولوية القضية الفلسطينية كانت ولاتزال تحتل المقام الأول علي رأس مهمات الدول العربية. لذلك لا مجال للمزايدة بين دولة عربية وأخري في هذا الجانب. حتي حين اندلع الخلاف بين "فتح" و"حماس" علي السلطة الفلسطينية تحركت الدول العربية مجتمعة لمنع الانشقاق وبادرت إلي التوافق لترتيب تفاهم بين الفصيلين يضبط المشكلات تحت سقف وطني. وفي الإطار المذكور لا مجال للمزايدة أيضا بين دولة عربية وأخري في هذا الجانب وخصوصا أن تل أبيب أظهرت في تعاملها اليومي مع الشعب الفلسطيني عدم تمييزها بين أهل القطاع وأهل الضفة. الموضوع الفلسطيني في وجوهه الثلاثة لا يشكل نقطة اختلاف بين دول الجامعة العربية. فالخلاف غير ظاهر بين الدول علي الصراع العربي الإسرائيلي، كذلك الخلاف غير موجود علي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كذلك الخلاف مرفوض علي أساس الصراع الفلسطيني الفلسطيني. فكل الدول العربية تجمع حتي الآن علي التمسك بالمبادرة ومشروع التسوية. وهي تتوافق علي مسألة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعلي أساس القرارات الدولية. وهي أيضا تغلب موضوع السلام علي موضوع التطبيع. وتري أن التفاوض لا يمكن أن يتم من جانب واحد ولا يمكن أن يستمر الجانب العربي في إعلان تمسكه بالمبادرة إلي مالا نهاية زمنية. كذلك هناك شبه اجماع عربي علي التحفظ علي تلك الصراعات والخلافات الفلسطينية وتداعياتها السلبية علي وحدة القضية وقدسيتها. إذن فعدم وجود خلافات عربية علي الموضوع الفلسطيني لا يعني أن الوحدة العربية قائمة وموجودة وتنتظر لحظة زمنية للإعلان عنها. فالخلافات العربية موجودة ولكنها ليست علي القضية الفلسطينية وأولوية الموضوع الفلسطيني واحتلاله الموقع الرئيسي علي جدول أعمال جامعة الدول. الخلافات العربية التي تكاثر الكلام عنها حتي من قبل انعقاد القمة في دمشق يمكن البحث عنها في تفصيلات أخري تتصل بملفات ساخنة قريبة أو بعيدة عن ساحة فلسطين. هناك خلافات علي الملف العراقي وأساليب التعامل معه. وهناك خلافات علي الملف اللبناني والتعارض العربي بشأن احتواء أوراقه. وهناك خلافات علي طبيعة الأنظمة وصعوبات التوفيق بينها للمحافظة علي الحد الأدني للنظام العربي الرسمي المتمثل الآن في صيغة جامعة الدول العربية وما يصدر عنها من قرارات وبيانات. والآن.. هل يستطيع أحد أن يؤكد أن القمة نجحت في حل الخلافات العربية.. وخصوصا قضية لبنان.. إنها قمة الفشل.. والذين يروجون لنجاح القمة بأن انعقادها في حد ذاته يعد نجاحا..! فكيف نفهم.. أو حتي نقتنع بذلك..!!