منذ حوالي عشر سنوات شاهدت في منزل الأستاذ محمد عودة رحمه الله عرضا مفصلا لشرائط فيديو عن أبحاث الدكتور عبد السلام جمعة في تهجين القمح وكيف أن إنتاج الفدان من الفصائل التي هجنها د. جمعة وصلت في حقول التجارب العلمية إلي سبعين أردبا أما في حقول الفلاح فتصل إلي نصف هذه الكمية. د. عبد السلام جمعة يسمي أبو القمح في مصر وهو عالم له قدره العالي عالميا وقد استخدم للوصول إلي هذا التهجين من القمح بذورا من عدة أماكن سواء في مصر أو عالميا حتي قمح المكسيك. استخدام الهجين من القمح الذي استحدثه د. عبد السلام جمعة كان كفيلا بمضاعفة إنتاج القمح في مصر. فماذا حدث؟ لقد تم طحن البذور المهجنة أي إعدام هذا الهجين ولا ادري هل توجد حاليا ولو كميات ضئيلة تسمح بالإكثار في حقول تجريبية. ألم يكن واجبا علي وزارة الزراعة تبني جهد هذا العالم الفذ بما يمكن مصر من إنتاج احتياجاتها من القمح الذي يتم استيراد الفرق بين الإنتاج المحلي واحتياجات الاستهلاك والذي يقدر ب 55% من الاستهلاك المحلي. لو أن مصر تنتج كل احتياجاتها من القمح هل كانت توجد أزمة خبز؟ أزمة الخبز حدثت فعلا وبدلا من دراسة موضوع إنتاج القمح لا نتصرف إلا بالطريقة الإدارية الخايبة ونعالج طريقة إنتاج وتوزيع الخبز وهل يتم تهريبه من المخابز أو أماكن البيع وأي الكميات تأخذها المخابز من القمح المدعمة أسعاره ونضطر للاستعانة بالمصانع الحربية لسرعة إقامة مخابز جديدة وما هي سلطات الإدارة المحلية وكميات الخبز الذي يستخدم علفا في تربية الدواجن إلي آخره. ولعلنا لا ندرك أن حل أي مشكلة يستلزم أولا دراسة أسبابها وهل من الممكن تدارك هذه الأسباب. ومن الغريب أن هجين القمح الذي استحدثه د. عبد السلام جمعة ليس هو النموذج الوحيد في إهمال أو افساد حلول المشكلات المتعلقة بالقمح. د. مستجير عالم في علوم الوراثة وقد لاحظ أن الغاب أو ما يسمي البوص ينمو في المياه المالحة في بحيرة مريوط بجوار الإسكندرية، البوص والأرز والقمح والذرة من نفس العائلة النباتية وفكر ونفذ فعلا إمكانية تهجين هذه النباتات للوصول إلي أصناف من القمح والذرة والأرز يمكن زراعتها بالري بالمياه المالحة أي بمياه البحر وانتج فعلا هجيناً من تلك المحاصيل تروي بمياه البحر وتحقق إنتاجاً بالفدان يقارب أو يساوي محصول الفدان المروي بالمياه العذبة. هذه الأبحاث كان يجب أن تكون مشروعا قوميا تتبناه الدولة. الآثار المترتبة علي تطبيق تلك الأبحاث لا تؤثر فقط علي مصر التي يمكن أن تتحول من أكبر مستوردي القمح عالميا إلي دولة مصدرة للحبوب بل بجانب ذلك إلي دولة مصدرة للحوم والدواجن. غير أن نجاح الزراعة بمياه البحر كفيل بتغيير اقتصادات الحبوب والزراعة علي المستوي العالمي. ولنتصور ماذا يمكن أن يحدث إذا تمت زراعة عشرات الملايين من الأفدنة في الصحراء الغربية في مصر.. ناهيك عن امتداد هذه الزراعة في ليبيا والجزائر حتي السعودية يمكنها زراعة القمح بدلا من استنزاف المياه الجوفية لإنتاج قمح تكلفته عشرة أضعاف سعره العالمي. الغريب أنه لا توجد مشكلة إيجاد للاستثمارات اللازمة لتحويل مصر كي لا تحتاج إلي استيراد القمح. ألم تكن هذه المشاريع المعتمدة علي أبحاث علماء مصريين أكثر جدوي من مشروع توشكي مثلا؟! يجب أن ندرك أن إنتاج القمح في مصر هو قضية أمن قومي.