لا شك أن جولة عمرو موسي الأخيرة في بيروت والتي أنهاها السبت الماضي كانت أصعب من سابقاتها نظراً للتصعيد في المواقف لاسيما وأن جميع الأبواب مازالت موصدة. وكأني بالأمين العام للجامعة العربية يبحث عن مفاتيح هذه الأبواب دون جدوي لاسيما وقد تزامن مع جولته تصعيد كلامي غير مسبوق واستهتار بلغة الحرب من قبل الموالاة. بيد أن حزب الله عمد إلي كبح جماحها وإلي عدم الانجرار إلي تبني نفس النهج بل علي العكس أكد علي حرصه علي التفاهم والحوار منعا للوقوع في براثن الفتنة الداخلية. لبنان في ظل غياب الحلول ورغم عدم إحراز أي نجاح حتي الآن يظل عمرو موسي متشبثا بمهمته باحثا ومقنعا قيادات لبنان موالاة ومعارضة بضرورة التوصل إلي حل ما في محاولة لإعادة الثقة بين الطرفين كي يتمكنا من إنجاز انتخاب الرئيس الذي تأجل موعده إلي 26 من الشهر الحالي وهو التأجيل الرابع عشر. وهكذا فإن المواقف في لبنان لاتزال علي حالها بل قد تشهد تصعيدا مع احياء ذكري اغتيال رفيق الحريري غداً "الخميس" لاسيما وأن سعد الحريري ووليد جنبلاط قد مهدا الطريق لذلك سلفا بلغة خطاب كل منهما الحادة الزاعقة وانتقادهما لسوريا ومهاجمتها.. وهكذا فإن كل المؤشرات تشي بأن لبنان مقدم علي مرحلة جديدة من التصعيد السياسي في ظل غياب الحلول والخوف أن ينعكس ذلك تصعيدا في الشارع ولا يتمكن أحد من لجمه. لبنان معضلة سياسية لم يحقق عمرو موسي أي اختراق لتبديد الأزمة السياسية من خلال مهمة الوساطة بين الأطراف المتنازعة. فشلت مهمته حتي الآن في التوصل إلي تسوية يحرز بواسطتها تقدما علي صعيد تطبيق المبادرة العربية التي طرحت في الخامس من الشهر الماضي والمتعلقة بانتخابات الرئاسة. وتأكد عمليا أن ما يمر به لبنان هو معضلة سياسية لم تستطع الجهود حلها.. بل إن الاجتماع الرباعي الذي نجح موسي في عقده يوم الجمعة الماضي وجمع فيه ميشيل عون زعيم التيار الوطني الحر، سعد الحريري رئيس تيار المستقبل، أمين الجميل الرئيس الأعلي لحزب الكتائب لم يسفر عن شيء يذكر وظهر المجتمعون وعلي وجوههم سمات فشل اللقاء. محاذير علي الطريق ظلت الأمور تراوح مكانها. وتأكد بعد خطاب كل من سعد الحريري ووليد جنبلاط وهو خطاب حاد طائفيا وسياسيا وعنصريا أن الموالاة ليس لديها استعداد للمشاركة الفعلية مع المعارضة بل وغير جاهزة بعد للحل الأمر الذي أدي إلي انتكاسة روح الشراكة وهي الروح التي ميزت اللبنانيين عبر الأجيال. ولا شك أن الوضع في لبنان الآن مع احتدام الجدل وتصعيد لغة الخطاب ينبئ بمحاذير كثيرة يزيد من حدتها اهتزاز صورة الوحدة بين اللبنانيين والتعثر الخطير في مستوي ملء الفراغ الرئاسي. سيناريو التفتيت وما يخشاه المرء هو سيناريو التفتيت والتقسيم وهو مشروع صهيوني قديم جديد تتطلع إسرائيل من خلاله إلي تقسيم دول المنطقة وبالتالي فالمشروع بمثابة البوابة التي يمكن الولوج منها لإنهاء لبنان عبر وضع إسفين بين الأطراف يسلم إلي إشعال حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. وأحد أبرز الشواهد علي ذلك خطاب جنبلاط الأحد الماضي، فالخطاب ناري حاد النبرة جاء ليصب الزيت علي النار ويشعل المواقف ويعمق الانقسام، فهو إعلان حرب بكل معني الكلمة، فالخطاب دعوة مفتوحة للحرب حيث هدد بأن الموالاة ستحرق الأخضر واليابس إذا استمر الفراغ وشن هجوما لاذعا علي كل من حزب الله والرئيس السوري. وكأن الموالاة تعمد بذلك إلي تصعيد التوتر وتعميق الهوة بدلا من الحرص علي وحدة الموقف اللبناني وحسمه من خلال التوصل إلي حل توافقي. حذار من حرب أهلية المخاوف تثار من انعكاسات هذا علي الشارع لاسيما وأنه يمثل تصعيدا غير مسبوق من شأنه الدفع بلبنان نحو محرقة حقيقية تعصف به. ذلك أن الفتنة إذا استعرت فلن يكون هناك غالب أو مغلوب، فنشوب حرب أهلية يعني انتهاء لبنان كلية بحيث يصبح الوضع أسوأ مما آل إليه في العراق. ولعل جنبلاط بخطابه التصعيدي الحاد هذا قد أراد به استدراج حزب الله إلي حرب داخلية وهو مشروع أمريكي في الأساس لفرض الهيمنة الإسرائيلية للثأر من هزيمة تموز عام 2006 أمام حزب الله. حافة الهاوية جنبلاط بخطابه التحريضي يمثل دعوة إلي الحرب وأداة تدميرية. غير أن المنطق يدعو الجميع إلي تحكيم العقل وعدم الانجرار إلي هذا الفخ الذي سيكون بمثابة الرقص علي حافة الهاوية والتي لا ضمان معها لنجاة أحد. ولا غرابة فالحرب الأهلية خطيرة جدا ولقد ذاقها اللبنانيون من قبل ويعلمون مدي ضراوتها ومآسيها. الموقف في لبنان خطير يعمقه تكريس المراوحة في السياسة وحدة خطاب الموالاة وزيادة القلق في الشارع اللبناني. وما يخشاه المرء أن تصاعد حدة نبرة الأطراف خاصة الموالاة وبقاء الأمور تراوح مكانها من شأنه تعقيد الموقف أكثر وأكثر الأمر الذي قد يؤثر بالسلب علي القمة العربية المزمع عقدها في دمشق قبل نهاية الشهر القادم، فما يحدث في لبنان اليوم قد يؤثر علي القمة سواء أكان هذا علي مستوي التمثيل أو علي انعقادها.