"النفرة" من جبل عرفات مغرب يوم 9 ذو الحجة ذكرتني بقول الله تعالي: "ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلي ربهم ينسلون" أعداد هائلة من المسلمين الذين يرتدون زي الإحرام يتدفقون بعد أذان المغرب في اتجاه الطريق إلي مزدلفة. الطريق إلي مزدلفة ليس طريقا واحدا، وإنما عدة طرق واسعة كل طريق به عدة حارات أظن أنه يوجد نحو 7 طرق كلها تتجه إلي مزدلفة وخصصت السلطات السعودية طريقا للمشاة بعرض عدة حارات حتي لا يزاحموا السيارات والحافلات، ولا يتعرضوا للحوادث بسبب زحام المرور. طريق المشاة الذي سلكته في طريقي إلي مزدلفة يمتد عدة كيلومترات، كل نحو 500 متر تصادفك دورة مياه ومصادر لمياه الوضوء، وبرادات للمياه المبردة للشرب يتجمع حولها الحجيج في طريقهم إلي مزدلفة، وتمثل تلك الاستراحات نقلة حضارية متميزة في خدمة الحجاج الذين لا يضطرون الآن إلي حمل مياه معهم قد يحتاجونها أثناء الطريق. وجود المياه ودورات المياه علي طول طريق المشاة يشجع الكثيرين علي المضي إلي مزدلفة مشيا في تجمعات أو فرادي، التجمعات كثيفة تتحرك كالكتائب المرصوصة يحمل دليلها علما أو ما أشبه بالعلم ويتحرك خلفه الركب في سرعة لم أعرف ما هو الغرض منها، فأمامنا نحو سبعة كيلومترات، والليل طويل وليست هناك حاجة للإسراع، وفي وسع الإنسان العادي أن يقطع المسافة إذا سار سيرا هينا في نحو ثلاث ساعات مع توافر الاستراحات والمياه، فلماذا السرعة إذن، خاصة أن الغرض من الوصول إلي مزدلفة هو أداء صلاتي المغرب والعشاء جمعا وقصرا ثم جمع الحصوات لرمي الجمرات في يوم النحر وأيام التشريق. بعد جمع الحصوات يتجه البعض مباشرة إلي مني لاتمام رمي حصوات العقبة الكبري، ويلزم البعض مزدلفة حتي أذان الفجر فيصلون ثم يتجهون إلي مني. ولم أفهم مغزي الجري أو شبه الجري في الطريق إلي مزدلفة حيث تتسارع خطي التجمعات التي قدرتها بما يزيد علي النصف مليون من مختلف الأجناس والأعمار يجمعهم جميعا زي الإحرام، لم أفهم لماذا يسرعون الخطي رغم أن أمامنا الليل بطوله إلا عند الكيلو متر الأخير من المسافة بين عرفات ومزدلفة. عند الكيلومتر الأخير لاحظت أن الطريق بدأ يضيق علينا رغم اتساعه المهول.. وإذا بجانبي الطريق يملؤها المفترشون أرضا.. الذين فرشوا علي الأرض أي شيء واستلقوا انتظارا لفجر اليوم التالي. وكانت محنة حقيقية اجتياز "الميل الأخير نحو مني" تخطيا فوق أعناق المفترشين للأرض في نهر الطريق حيث اختفي الطريق تماما وتلاشت معالمه.. ولنا عودة.