بعد مرور أكثر من قرن من الزمان، تربع الدولار الأمريكي فيه علي عرش العملات الأجنبية، وكان رمزاً للقوة والهيمنة الاقتصادية، صارت تلك العملة الخضراء في عام 2007 عملة سوداء علي الجميع، يهربون منها ويبحثون عن غيرها بعدما فقدت قوتها وتراجعت قيمتها إلي أدني مستوياتها لدرجة جعلت الكثيرين ينقلون ثرواتهم إلي عملات أخري أقوي منها خصوصاً أن سعر صرف اليورو مقابل الدولار صار 1.46 مع نهاية الربع الأخير من العام. وأعربت مجلة "الإيكونوميست" عن الكثير من التخوفات العالمية في حال عدم القدرة علي التحكم والسيطرة في ضعف قيمة الدولار وتخوف الولاياتالمتحدة من تحويل الكثير من البنوك المركزية من احتياطياتها الدولارية إلي اليورو مثل قرار البنك المركزي السوداني ببدء اعتماد اليورو كعملة احتياطي بدلاً من الدولار مع بدايات العام الجديد أو استغناء كل دول الشرق الأوسط عن العملة الخضراء تفاديا للخسائر التي قد تنجم من اعتمادها عليه، وأكدت أن أزمة الدولار لا تصيب فقط الولاياتالمتحدة بقدر إصابتها الاقتصاد العالمي مما قد يضر به ويقلل من معدلات نموه. وقالت الإيكونوميست إن أزمة الأسواق المالية التي ظهرت في شهر أغسطس الماضي زادت من الضغط علي الدولار لدرجة جعلته يخسر 6% من قيمته مع حلول شهر نوفمبر حسب تقديرات البنك الفيدرالي الأمريكي، كما أشارت إلي أن أزمة ضعف قيمة الدولار ليست بجديدة فالعملة كانت قد فقدت ربع قيمتها مقابل عملات أخري رئيسية علي مدي الأعوام الخمسة الماضية ولكن الخوف الحالي هو أن يستمر هذا الانخفاض ليصبح هو القاعدة العامة. وحول الأسباب الرئيسية وراء انخفاض الدولار في عام 2007 يوضح تقرير الإيكونوميست أن الظروف الاقتصادية التي مر بها عام 2007 كانت هي السبب الأول والرئيسي وراء هذا الانخفاض فالولاياتالمتحدة تشهد عجزاً ملموساً في حسابها الجاري فضلاً عن أزمة قروض الرهن العقاري التي عصفت بالدولار وعجلت من انخفاض قيمته في شهر أغسطس وقيام البنك الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة كعلاج مؤقت للازمة والفوضي التي شهدتها أسواق الائتمان وأخيرآً ضعف التدفقات الرأسمالية الخاصة داخل الولاياتالمتحدة، وتوقعت أن يكون الدولار الأمريكي أكثر قدرة علي الاستقرار في عام 2008 مقابل معظم العملات الأجنبية الأخري باستثناء الين حيث سيكون ضعيفاً علي المدي المتوسط وذلك بسبب أن الين سوف يدعم بقوة من قبل ارتفاع معدلات الفائدة اليابانية وزيادة معدلات التبادل التجاري معها. وأرجعت توقعاتها بشأن استقرار الدولار إلي اختفاء حالة الفوضي التي شهدتها الأسواق العالمية وإلي تغيير مسارات الاقتصاد العالمي الذي يتوقع له أن تزداد معدلات نموه بقيادة الاقتصاد الأمريكي الذي عاني من فترات الضعف والبطء علي مدار عام 2007. ومن جانبها أوضحت صحيفة الاندبندنت البريطانية أن الدولار الأمريكي وصل إلي أدني مستوياته علي الإطلاق مقابل اليورو في منتصف عام 2007 وانخفض إلي أدني مستوي له مقابل الدولار الكندي منذ عام 1950 والجنيه الاسترليني منذ عام 1981 والفرنك السويسري منذ عام 1995. وكشف المجلة عن أن بلدناً أخري كإيران وفنزويلا وروسيا تطلب الآن الدفع باليورو بدل الدولار وتطلب إيران مثلاً من اليابان أن تدفع مبيعات البترول بالين بدل العملة الخضراء، أضافت الصحيفة أن أزمة الدولار قد دفعت أيضاً دولاً ذات ثقل في الاقتصاد العالمي مثل روسيا إلي تحويل أجزاء من احتياطها بالدولار إلي اليورو، رداً علي تدهور سعر العملة الأمريكية، كما تخلت دول غير أوروبية عن ربط عملاتها بالدولار، مثل الكويت، لمصلحة سلة عملات تضم اليورو، وقد توقع مصرف الاستثمار الأمريكي "ميريل لينش" لن تحذو حذو الكويت دول خليجية أخري، في مقدمتها الإمارات. ونقلت عن كينيث فروت أستاذ جامعة هارفارد ومستشار سابق للخزينة الأمريكية قوله إن جزءاً من انخفاض الدولار دائم فلابد للدولار أن يتراجع أمام عملات أخري "ما يعكس ارتفاع تنافسية وإنتاجية هذه العملات". بينما يؤكد ريوردان رويت من جامعة جونز هوبكينز أن الوضع الحالي يقود إلي أن هناك انعدام ثقة بالدولار بتباطؤ اقتصاد الولاياتالمتحدة. وبين الناس البسطاء أيضا أصبح اليورو العملة المفضلة كما أوضحت صحيفة وول ستريت جورنال حيث نقلت قول أحد الأوروبيين "أنا في أوروبا بعقد عمل أوروبي يدفع لي باليورو وأنا سعيد بذلك فذلك يسمح لي بالتسوق في الولاياتالمتحدة ما استمر الأمر حتي تقاعدي وعندها سأحصل علي معاشي في أوروبا وأتقاعد في الولاياتالمتحدة".