النمو الاقتصادي بلغ 7.1% هذه الحقيقة ترددها الحكومة المصرية في كل المحافل والمؤتمرات تعبيرا عن نجاحها في الاصلاح الاقتصادي المصري وهذه حقيقة لا يستطيع أحد انكارها ولكن من المفترض ان يحصد المواطنون خيرات هذا الارتفاع وعلي الجانب الآخر مازالت الطبقات الفقيرة في مصر تشكو سوء الاحوال والمعاناة وضيق العيش. ولم تحصد بعد مزايا الاصلاح الاقتصادي وارتفاع معدل النمو. فإذا كانت زيادة معدلات النمو الاقتصادي مجرد ارقام لم تشعر بها كل طبقات الشعب بعد فلابد ان هناك اجراءات مازلنا نفتقدها حتي تصل عوائد التنمية والنمو لمحدودي الدخل وحتي يشعر المواطن البسيط بان النمو الاقتصادي يعود عليه وينعكس علي مظاهر حياته أو علي الاقل لا يتحمل أعباء اضافية فوق طاقته ولاسيما في ظل ارتفاع الاسعار والحديث المتكرر عن تقليص الدعم فمتي يحصد الاسبوعي استطلعت رأي خبراء في محاولة لفك هذا اللغز. أكدوا ان شعور البسطاء بزيادة النمو يحتاج لسياسات حكومية تساعد علي جذب الاستثمارات في المجالات الكثيفة العمالة والتي تنعكس علي محدودي الدخل بالاضافة الي تغيير سياسات التكافل الاجتماعي. في البداية توضح الدكتورة هبة هندوسة مدير تقرير التنمية البشرية التابع لبرنامج الاممالمتحدة ان ايجاد المزيد من فرص العمل هو الذي يجعل الفقراء ومتوسطي الدخل يشعرون أكثر بزيادة النمو الاقتصادي مؤكدة ان هذا يتطلب زيادة التصدير والذي يتركز اساسا في مجالات الاغذية والملابس والاخشاب وهي كلها مجالات كثيفة العمالة. وتضيف ان الحكومة بالفعل تهتم بوصول عوائد النمو الاقتصادي للمواطن البسيط ونجحت الي حد كبير في السيطرة علي التضخم ومعدل البطالة ولكنها تحتاج الي وقت مناسب حتي تصل عوائد النمو لكل شرائح المجتمع. الاستثمار الاجنبي ويرد الدكتور ابراهيم فوزي وزير الصناعة ورئيس الهيئة العامة للاستثمار الاسبق اننا يجب ان نسأل انفسنا أولا أين يذهب الاستثمار الاجنبي الذي دخل مصر وأدي الي زيادة معدلات النمو وسنجد الاجابة ان هذا الاستثمار توجه الي المشروعات العقارية والتي تخاطب الشرائح ذات الدخول المرتفعة ومشروعات الطاقة التي تخدم القطاع العقاري. وبذلك -والكلام لفوزي- نجد ان الاستثمار الاجنبي يدور في دائرة أصحاب الدخول المرتفعة فقط ويري د. ابراهيم فوزي ان الحل يتطلب تعديل السياسات الحالية لجذب الاستثمار الي المجالات التي تخدم محدودي الدخل ويذكر ابراهيم فوزي ان مصر في الماضي القريب كانت تتيح مزايا ضريبية لجذب الاستثمارات الي المشروعات الصناعية حيث كانت الضرائب علي القطاع الصناعي 32% والتجاري 40% كما كانت الاراضي تمنح بالمجان للمشروعات الصناعية. ويضيف ان المناخ الآن اصبح غير مشجع علي التوجه نحو المشروعات الانتاجية مؤكدا انه ما لم يحدث تغيير في سياسات الدولة في توجيه الاستثمار ناحية القطاعات الانتاجية التي تنعكس علي محدودي الدخل فسوف يتحرك الاستثمار تلقائيا نحو مشروعات الربح السريع التي تزيد التضخم وتصبح عوائدها لصالح حفنة قليلة من رجال الاعمال. ولذلك نري ظاهرة الاضرابات تعم مختلف الطبقات -من وجهة نظره- أساتذة جامعات الي موظفين وعمال وهذا يوضح تركز عوائد النمو علي طبقة محددة دون باقي الطبقات المحتاجة. حملة قومية أما الدكتورة يمن الحماقي عضو مجلس الشوري وعضو الامانة العامة للسياسات بالحزب الوطني فتري انه لكي يشعر المواطن البسيط بارتفاع معدلات النمو لابد من تبني حملة قومية لمكافحة الفقر تعتمد علي استهداف الاسر البسيطة وتقييم كل الخدمات التي تقدمها الحكومة لهده الاسر ومدي الاستفادة منها. وتسأل الحماقي عن الاسر غير القادرة علي الحصول علي دخل مستقر وتعول كيف يمكن ان تشعر بعوائد النمو؟ وكذلك الاسر التي بها شخص أو أكثر عاطلون عن العمل أو الاسر التي بها مريض تلتهم نفقات علاجه معظم دخل الاسرة. وتؤكد الدكتورة يمن الحماقي ان هذه الفئة الفقيرة بالعكس تضار من الاصلاح الاقتصادي والذي يؤدي لتحرير اسعار السلع والخدمات وبالتالي ارتفاع اسعارها. التجربة المكسيكية وتضيف د. يمن ان الاسر الفقيرة: لن تشعر بعوائد النمو مهما زادت مرتبات صغار موظفي الحكومة أو زادت المعاشات ولكن تحتاج للتركيز علي الاسر الاولي بالرعاية من خلال منح هذه الاسر دعما نقديا يرتبط باهتمام هذه الاسر بالمستوي التعليمي أو المتابعة الصحية لاولادها أو هذا ما تقوم به التجربة المكسيكية. وتؤكد د. يمن علي ضرورة التكامل بين البرامج التي تقوم بها الحكومة لدعم الطبقات الفقيرة وذلك بالتعاون مع المجتمع المدني والاحزاب. وتضيف ان التنمية بالمفهوم الحديث تهدف الي رفع مستوي البسطاء باعطائهم خدمات متكاملة في جميع نواحي الحياة. وتوضح الدكتورة سلوي العنزي رئيس ادارة البحوث الاقتصادية باحد البنوك انه لكي نعرف الطبقة التي تستهدفها الدولة كي توصل اليها عوائد النمو يجب ان نعرف من اين تأخذ الحكومة الاموال وكيف توزعها؟ فإذا كانت الحكومة كما تقول العنزي تتبني نظاما ضريبيا يقوم علي الضرائب غير المباشرة التي تفرض علي السلع وبالتالي يشعر بها الفقراء في ثمن السلعة أكثر من الطبقة المرتفعة الدخل، فإن الحكومة هنا لا تتجه بعوائد النمو الي الفقراء أما إذا قامت بزيادة ضرائب الدخل بصورة تصاعدية مع زيادة الدخول وانفقت هذه الحصيلة في توفير الخدمات لمحدودي الدخل فهي بذلك تساعد في توزيع عوائد النمو بصورة أكثر عدالة وتخدم البسطاء. وتؤكد د. سلوي العنزي ان ماقيل مؤخرا عن السيطرة علي عجز الموازنة عن طريق ما سمي بتعديل الاسعار المحددة اداريا والذي شعر به جميع المصريين في ارتفاع فاتورة الكهرباء يعتبر دليلا علي عدم مراعاة الحكومة للطبقة ذات الدخل المنخفض. وتتساءل ماذا يفعل الفقراء بعد هذه الزيادة في فاتورة الكهرباء؟ هل يغلقون مصابيح الكهرباء حتي لايقوم أبناؤهم بالمذاكرة؟ وتلفت د. سلوي الي ضرورة قيام الحكومة باجراءات تشجع الاستثمار في المناطق الاكثر فقرا اذا كانت تريد ان تنعكس زيادة النمو علي المواطنين الفقراء. القطاع الزراعي ويؤكد الدكتور مختار الشريف عضو اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطني والخبير الاقتصادي ان 55% من سكان مصر ينتمون الي القطاع الزراعي الذي لم يزد معدل نموه علي 3.7%. ويضيف ان النمو لم يصل ل 7.1% في كل القطاعات وان النفقات العامة عندما يتم تفعيلها بطريقة جيدة تصبح بمثابة دخل مصطنع تستفيد به الطبقة الفقيرة من الشعب ويوضح كذلك ان سياسات التكافل الاجتماعي المختلفة لابد ان يتم تطويرها وتقديمها بأشكال مؤسسية بها استمرارية.