أثار مؤتمر للمركز المصري للدراسات الاقتصادية مؤخرا تحت عنوان "ما هي العوامل المحركة للأسعار في مصر؟" قضية استهداف التضخم واتباع دول عدة لهذه السياسة ونجاحها من خلالها في ترويض التضخم وتحجيم مخاطره علي الاقتصاد.. وفي هذا التحقيق نستعرض أبرز ما جاء في دراسات المركز المصري حول هذه القضية ونناقش الخبراء حول مدي ملاءمة سياسة استهداف التضخم للاقتصاد المصري. كشفت إحدي دراسات المركز المصري حول التضخم مرور مصر بموجتين من التضخم الأولي من يولية 2003 إلي مارس 2005 والثانية في يونية 2006 والتي عرضت في المؤتمر أرجعت أبرز أسباب هذا التضخم إلي بعض السياسات الإصلاحية التي طبقت خلال هذه الفترة كانخفاض سعر العملة المحلية مقابل الدولار علي مراحل خلال الفترة من 2001 ،2003 وعدم وجود مثبت اسمي بعد الإعلان عن تعويم الجنيه، والزيادة في أسعار المنتجات البترولية وأحداث أثرت علي الاقتصاد القومي كإنفلونزا الطيور، وهي العوامل التي أدت إلي تخطي معدل التضخم إلي نسبة 9% في الفترة الأخيرة وهو ما اعتبرته دراسة أخري للمركز المعدل الذي تبدأ بعده الآثار السلبية للتضخم في الظهور لذا أوصت الدراسة بأن يقوم البنك المركزي باستهداف مدي التضخم بين 5 و9%. ومن هنا كان طرح سياسة استهداف التضخم والتي تم تجريبها سابقا في دول عدة منها المتقدمة ومنها النامية. وذكرت د. رانيا المشاط ممثلة البنك المركزي في مؤتمر المركز المصري، أن البنك المركزي في طريقه إلي تطبيق هذه السياسة أيضا في الأمد القريب وأنه في مرحلة الاستعداد لهذه الخطوة في الوقت الحالي. وتشرح لنا د. ضحي عبد الحميد أستاذة التمويل بالجامعة الأمريكية سياسة استهداف التضخم قائلة: إن البنك المركزي يقوم حاليا باستهداف التضخم من خلال السياسات النقدية التي يقوم عن طريقها بزيادة أو امتصاص حجم السيولة من السوق إلا أن سياساته تهدف إلي معالجة أوضاع قائمة ولا تقدم تصورات مستقبلية، أما في التجارب الدولية كتجربة أمريكا وانجلترا كما تقول ضحي عبد الحميد فسياسة استهداف التضخم تقوم علي عمل نماذج رياضية تقدم تنبؤات بمعدل التضخم في السنوات القادمة. بل وتصل التنبؤات إلي توقع التضخم في الخمسين أو المائة سنة القادمة ومن هذا المنطلق يتم إعداد السياسات التي ستطبق مستقبلا لاستهداف عدم تخطي معدل التضخم للنسب التي تسبب أضرارا لاقتصاد البلاد علي أن يتم تعديل هذه التنبؤات بشكل دوري، ولا يقوم البنك المركزي وحده بإعداد هذه التنبؤات بل تشاركه فيها العديد من المراكز البحثية المستقلة. ويخرج البنك برؤيته المستقبلية من خلال السيناريوهات المختلفة التي يطرحها وتطرحها تنبؤات المراكز المستقلة. وتعتبر ضحي أن البنك المركزي تأخر في تطبيق هذه السياسة في مصر حيث أعلن أنه يشرع في تطبيقها منذ 4 سنوات، وتتساءل عن سبب انتظاره حتي الآن لتفعيلها. التوازن بين التضخم والنمو ولا ينكر أحد أن للتضخم تأثيرات سلبية علي الاقتصاد وهو ما تكشف عنه إحدي دراسات المركز حيث تشير إحدي الدراسات والتي عرضت في المؤتمر المذكور إلي أن زيادة التضخم ب 1% تقترن بانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ب 2% إلي 3% معتبرة أن هذه نتيجة معنوية بدرجة ثقة 99%، إلا أن استهداف التضخم أيضا من خلال السياسات النقدية قد يكون له تأثيرات سلبية علي الاستثمار وعلي النمو، حيث تشير دراسة للمركز إلي أن من أبرز أسباب التضخم في الفترة الأخيرة وجود سيولة زائدة لدي الجهاز المصرفي بسبب تدفق الاستثمارات الأجنبية وارتفاع الطلب علي السلع والخدمات وهو ما يطرح تساؤلا حول ما إذا كان هناك تعارض بين سياسة وزارة المالية التي تهدف إلي جذب الاستثمار والسيولة للسوق وسياسة البنك المركزي الذي يهدف إلي امتصاص السيولة لتخفيض التضخم وكيف سنطبق استهداف التضخم في ظل هذا التناقض. وتقول د. ضحي في هذا الصدد إن التنسيق يتم بالفعل من خلال المجلس التنسيقي الذي يتشارك فيه هذان الطرفان بالإضافة إلي خبراء مستقلين وممثل لصندوق النقد الدولي وغيرهم علاوة علي أن برنامج الخصخصة كان هدفه جلب موارد لسد عجز الموازنة وهو أحد أبرز أسباب التضخم، كما تلفت إلي أن إيجاد التوازن بين تشجيع النمو وتحجيم التضخم من خلال سياسة استهداف التضخم اثبت فاعليته في التجربة الأمريكية خاصة في عهد آلان جرينسبان المحافظ السابق للبنك الفيدرالي الأمريكي الذي راعي التوازن في أسعار الفائدة بين تشجيع الاستثمار واستهداف التضخم.