في الحرب للعقيدة أحكام: عقيدة القتال.. وعقيدة الإله.. ابريل 1984.. احدي قري وادي بانجشير بأفغانستان التقيت بهما.. جنديين سوفييتين هربا من صفوف القوات المحاربة وانضما إلي المجاهدين الافغان من رجال القائد الشهيد أحمد شاه مسعود.. أعلنا إسلامهما بملء ارادتيهما بعد أن انضما إلي قوات المجاهدين، وشاركا في المعارك الدامية ضد القوات الأم.. القوات السوفييتية! ... الأول اسمه ايجال.. غيره بعد إسلامه ليصبح: إبراهيم 22 سنة من بخاري والثاني اسمه إيليك 21 سنة من طشقند بعد إسلامه احتفظ باسم الأسرة جانجير! اعترف لي إبراهيم ورائحة البصل التقليدية تفوح من فمه: "كنا نحارب المجاهدين الافغان في جبهة كونيا بمحافظة قندهار.. 6 أشهر فقط بعدها سئمنا الحرب، ورحنا نسائل أنفسنا: لماذا نحن هنا؟ ولماذا نقتل هؤلاء الشبان الافغان؟! لم تكن عندنا قضية ولا عقيدة تدفعنا للقتال! قررت أنا وإيليك أن نتسلل إلي مخابئ المجاهدين حول كونيا ونسلم أنفسنا.. ذهبنا إليهم ومع كل منا رشاشة "الكالاكواف" الذي يعتبر لحظتها من أحدث أسلحة الترسانة السوفييتية! استقبلونا بترحاب، وقدموا لنا الطعام والملابس الافغانية الملونة!". ألم تكن هناك نقطة تحول حادة دفعتكم إلي هذا التغيير المفاجئ في الاتجاه؟! أجاب جانجير بعد تفكير: "معك حق.. كانت هناك بالفعل نقطة تحول شديدة القوة.. كنا نعمل تحت قيادة كولونيل جيفور كان.. شخصية فظة متحجرة القلب.. في يوم قبضت الكتيبة علي صبي أفغاني يلعب بالقرب من معسكرنا.. اتهموه بالتجسس.. طلب مني الكولونيل جيفور كان أن أطعنه بسونكي وأقتله كان صبيا بريئا صبوح الوجه.. رفضت أمر القائد.. صفعني بقسوة وأمر زميلي ايجال أن يقوم بالمهمة.. بيد مرتعشة طعنه ايجال طعنة واهنة.. بصق الكولونيل في وجهه واستل السونكي من أسفل بطن الصبي وراح يطعنه بوحشية في كل مكان من جسده الغض حتي طفح الدم من فمه ومات. لا أبدا... لقد دخلنا في الاسلام بارادتنا الكاملة وعن عقيدة تامة.. ونواظب الآن علي الصلوات الخمس في مواقيتها.. ونواجه الآن رفاق السلاح بنفس السلاح.. وذات مشاعر المجاهدين الذين نحارب في صفوفهم.. مشاعر صاحب الأرض وصاحب القضية!". وواصل جانجير: نحن لا نبغي أن يكافئنا أحد، إيماننا لله وبالله.. كل ما نرجوه بعد أن تنتهي الحرب أن يساعدنا الاتحاد الاسلامي لمجاهدي أفغانستان الذي نحارب تحت لوائه، في اللجوء إلي بريطانيا.. نكمل دراستنا ونقضي بقية العمر!" 23 سنة في قفزة واحدة لنرقب ما يجري في أفغانستان الآن.. أحمد وريس وزبير أحمد.. كانا عدوين أثناء حرب المجاهدين ضد قوات الاحتلال السوفييتي منذ ربع قرن مضي.. وريس كان يقود جماعة من المجاهدين.. بينما كان زبير جنديا في جيش الحكومة الافغانية المساندة للاحتلال.. الاثنان يعيشان الآن ظهرا لظهر في قاعدة للجيش الافغاني المساند للاحتلال الأمريكي في ولاية كونار شرق أفغانستان.. وهما يتقاسمان خبرتهما العسكرية ضد عدوهما الجديد: قوات طالبات..! يتفق الخصمان الحليفان في رؤيتهما الاستراتيجية: مادمنا أقوياء لن تستطيع طالبان أن تغزو قرانا المحصنة.. وليس أمامهم إلا حرب السهول المفتوحة.. وفي "السهل" من السهل أن نقطع خطوط امدادهم، ونهزمهم! ويضيف زبير: "القتال في السهل يتمتع بميزة اضافية.. ذلك أنه يحمي المدنيين في القري ويجنبهم مخاطر الحرب"! ورغم ضنين الأرقام العسكرية، فإن المتاح منها يؤكد أن القوات الأمريكية وقوات التحالف استطاعت منذ العام 2003 أن تدرب 000.38 جندي أفغاني، معظمهم انضم لصفوف قوات الناتو والخطة مضاعفة عددهم إلي 000.70 وتجهيز قوة شرطة قوامها 000.82.. فضلا عن الانتهاء من المنشآت الأرضية للقوات الجوية الافغانية في ديسمبر 2008. إلا أن القيادة الأمريكية في أفغانستان تري أن إنشاء جيش قوي وتسليحه وتدريبه في وقت الحرب أمر بالغ الصعوبة ويكاد يستعصي علي الانجاز: المتقدمون للتجنيد كلهم من الشباب الافغاني..أميون.. يهربون من الخدمة عند أول صعوبة! ورغم ذلك هناك وحدات من الجيش الافغاني تستطيع أن تخوض معاركها ضد قوات طالبان باستقلال ودون مساندة من قوات التحالف.. أو هكذا يدعون!. والطموحات العسكرية الأمريكية في أفغانستان تخبو وتختنق.. ربما بصورة أكثر تدهورا مما هي عليه الآن في العراق.. لم يعد في مكنة واشنطن أن تستنفذ لنفسها شيئا من مشروعها في أفغانستان الذي يكتنفه الخطر والمخاطر (parlous interprise) :