بلا مراسم تذكر ولا أي قدر من الأبهة والاحتفال.. غادر توني بلير رئيس الحكومة البريطانية منصبه، وبيت الحكم في 10 داوننج ستريت بقلب لندن، وكأنه عابر سبيل! الثالثة بعد ظهر الثلاثاء 26 يونيو الذي انقضي مثل عمره في الحكم.. استقبلته الملكة إليزابيث بقصر باكنجهام.. لم يكن لقاء احتفاليا وإنما لقاء خاص، قبلت فيه الملكة استقالته من رئاسة الحكومة، بعد 10 سنوات بالتمام من شغله للمنصب، طاردته فيها الأخطاء والاتهامات أكثر من عبارات الثناء والمديح! الثانية بعد ظهر الأربعاء 27 يونيو.. 10 داوننج ستريت، بيت الحكم.. توني بلير يسلم المنصب ووريثه جوردن براون يتسلم.. نقلة زمنية درامية لانحسار الماضي عن اعتاب المستقبل.. تقاطيع الاحساس بالفقد تكاد تشل وجه بلير، بينما يطفح وجه براون بلون ورود الأمل.. علي عتبة بيت الحكم الشهيرة يقف بلير وراحة يده فوق شعر رأس ابنه "ليو" المسبسب، يدعكه بارتباك ويشعث تسريحته.. والولد "ليو" يقاوم برأسه راحة يد أبيه حتي أفلتها متأففا! وأمه العزيزة تشيري، طلبت السيارة الجاجوار، جاءت مسرعة.. التفتت إلي زحام الصحفيين وهمست: "وداعا".. ثم بصوت غليظ كالح: "لا أظن اننا سوف نفتقدكم"!!.. بين السيدة حرم رئيس الوزراء، والصحفيين البريطانيين، ثقل ظل متبادل! بعد ساعات قليلة من مغادرة بلير وأسرته لبيت الحكم، تلقي مكالمة شخصية من الرئيس بوش تهنئه بعمله الجديد كمبعوث دولي خاص إلي الشرق الأوسط، بدعم من المجموعة الرباعية.. "quarter".. التي تضم: الولاياتالمتحدة. الأممالمتحدة.. الاتحاد الأوروبي.. وروسيا. وبهذا المنصب شديد الحساسية الدولية، يتابع بلير بخطاه أقدام جيمس ولفنسون، رئيس البنك الدولي السابق الذي استقال من منصبه تحت ضغوط إسرائيلية ناقمة، ابريل العام الماضي! وتتوقع الديلي تليجراف البريطانية أن يركز بلير في مهمته الدولية الجديدة علي تطوير واصلاح شئون الحكم في الأراضي الفلسطينية.. أما الجانب الإسرائيلي في المعادلة فلا خطط له عنده.. ولا مساس!! وسوف يمارس توني بلير مهام منصبه في مكتب بالقدس الغربية، وآخر في الضفة الغربيةرام الله علي الأرجح ومفهوم أن الذي رشحه للسلطات الدولية لشغل المنصب: الرئيس جورج بوش! .......................................... تحت عنوان: توني بلير ومهمته الأكثر عسرا وعنفا "Toughest Mission" كتب تيم مكجرك في مجلة تايم بعددها الأخير مقالا شرسا وكاشفا عن رئيس الحكومة البريطانية ومستقبله في وظيفته الجديدة التي يتهددها الحرج والخطر.. قصة من الأدب اليهودي القديم يود أن يسوقها إلي مسامع توني بلير.. والقصة مخيبة لأي أمل، سمعها من دبلوماسي غربي قضي عامه الأخير في إسرائيل يفك عقد التعامل بين اليهود والفلسطينيين.. للقصة عنوان: "البارون.. وكلبه"! القصة تروي: روسيا من سنين بعيدة.. بارون يملك اقطاعية واسعة من الأرض، قرر فجأة أن يطرد كل المزارعين اليهود.. بكي اليهود.. توسلوا.. انشغل عنهم البارون بمداعبة كلبه الولف الأثير.. دقائق وتبرم بهم.. طردهم.. ظهر راباي اليهود فجأة علي عتبة الباب.. فهم الموقف واستوعبه.. لاحظ اهتمام البارون بكلبه.. أشاح البارون بذراعيه ليغادروا القصر.. قاطعه الراباي: "تعرف يا سيدي البارون اننا موهوبون في استنطاق الكلاب وتعليمهم الكلام؟!".. أثار العرض فضوله واهتمامه.. سمح لليهود بالبقاء عاما آخر، واعطي الكلب للراباي ليعلمه الكلام بعيدا عن قلعته! خرج الجميع.. حاصر اليهود الراباي، وهتفوا في عويل واحد: "لقد قضيت علينا.. كيف ستعلم الكلب الكلام؟!".. هز الراباي كتفيه وهو يتمتم: "عام بطوله قد يحدث فيه أي شيء وكل شيء.. قد يموت الكلب.. أو البارون نفسه.. لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما في بطن الزمن"!! * * * استأنف الدبلوماسي الغربي في موسكو تعليقه علي حكايته: "قصر النظر هذا shortsightedness ينطبق في يومنا هذا علي الإسرائيليين.. ليست لهم سياسة.. وكل همهم أن يلتزموا الثبات أطول مدة ممكنة في مواجهة مطالب الفلسطينيين.. دون أدني استجابة"!. ويواصل الدبلوماسي تحليله الرائق التصور: يحدث هذا علي الجانب الإسرائيلي.. بينما يتعلق الفلسطينيون، خاصة المتطرفين منهم، في سماوات الحلم بأن يستعيدوا كل أراضيهم السليبة، من النهر إلي البحر.. حتي وهم في أعمق أعماقهم يوقنون أن هذا ضرب من المستحيل عملا ومكنة!. ما المغزي من وراء هذه القصة؟ يستأنف الدبلوماسي تأويله وتفسيره: "توني بلير كمبعوث للشرق الأوسط، سوف يجد الإسرائيليين والفلسطينيين علي السواء بلا رؤية vision ولا واقعية pragmatism كل منهم يقضي العمر في انتظار أن يموت كلب البارون"!!