أسمحوا لي أن استعير عنوان مقالة الاستاذ سعد هجرس بتاريخ 18 يونية 2007 بجريدة "العالم اليوم" الذي عرض فيه مائدة حوار "منتدي جاردن سيتي" حول هذا الموضوع. ولا شك أن دائرة الفساد في مصر اوسع بكثير من رجال الأعمال ولا شك أن ما يسمي الزواج بالسلطة يمثل رافدا مهما من الفساد غير أن هذا الزواج أو الظاهرة ليس هو كل الفساد بل لعل هذه الظاهرة هي ناتج للفساد وحافز أيضا لاحداثه. وأرجع أحد المتحدثين موضوع الندوة إلي أربعة أسباب: ان هناك فسادا في المجتمع لا يمكن انكاره وان هناك فجوة هائلة بين الطبقات الاجتماعية في مصر حاليا وان هناك صورة سلبية شائعة عن رجال الأعمال في مصر وأننا نفتقر إلي الشفافية في النشاط الاقتصادي حكوميا أو قطاعا خاصا. غير أن كل هذه الاسباب ليست هي أساس الفساد بل هي بعض المظاهر التي أفرزتها الأسباب الحقيقية للفساد، فالنظرة السلبية لرجال الأعمال كانت دائما موجودة بل إن النظرة لتحقيق مستويات عالمية من الربح والثروة كانت دائما علي الاقل محل حسد ولم يكن مجتمع رجال الاعمال سواء في مصر أو في أي بلد آخر يخلو من الفساد ولعلنا نقرأ هذه الايام فضائح المكافآت التي يحصل عليها رؤساء الشركات في امريكا خاصة عند انهاء خدماتهم رغم خسارة الشركة التي كانوا يتولون رئاستها. ولعلنا نذكر فضيحة اعطاء عبود باشا رشوة للملك فاروق كي يغير الوزارة أو سمعنا عن صاحب مصنع نسيج كبير كان يفتخر أنه لا يوجد كائن يستعصي عليه رشوته غير أن كل هذا لم يكن يصم الرأسماليين أو رجال الأعمال بالفساد بل كان منهم فاسدون مثلهم مثل جميع الفئات الاجتماعية. إنما لماذا السؤال الذي كان موضوع الندوة السبب الأساسي بل محور التغيير في المجتمع المصري الذي زاد فيه الفساد هو نمط السياسات الاقتصادية التي فرضت علي النشاط الاقتصادي منذ سياسة الانفتاح بداية من الاستيراد دون تحويل عملة وشركات توظيف الأموال والاستيلاء "القانوني" علي أراضي الدولة وأصبح أسهل الطرق لتحقيق الثروة النشاط الذي لا يضيف قيمة. لو أن فلاحة أمسكت نتفة من القطن ومغزلا يدويا قبل اختراع آلات الغزل وغزلت بعض غزل القطن فقد أصافت قيمة كل نشاط إنتاجي هو بشكل أو بآخر يحدث قيمة إنما لو أنك تمكنت من أن تحدث ثروة دون إضافة قيمة وأصبح هذا هو الطابع العام للنشاط الاقتصادي في أي بلد فمن المحتم أن ينشط الفساد بل أن يصل المجتمع إلي حالة مرضية من الفساد والعفونة إذا أضفنا إلي ذلك تصفية القطاع العام وتمليك ركائزه الأكثر ربحية للأجانب أي نزحنا القيمة المضافة فيه إلي الخارج "صناعة الأسمنت مثل صارخ" وإن سمحنا في أول عملية خصخصة ببيع شركة المراجل البخارية التي باع المشتري مكوناتها من الآلات بالمزاد لتصفية هذه الصناعات التي يحتاجها أي نشاط إنتاجي أو خدمي من محطة الكهرباء حتي المستشفي. وإذا كان بيع البنوك للأجانب يوجه الائتمان إلي السلع الاستهلاكية المستوردة وليس للإنتاج اقتصاد تتبع فيه سياسات لا تستهدف إضافة قيمة يحدث فيه بالضرورة انخفاض في نصيب القطاعات الإنتاجية في الدخل القومي وانخفاض بالضرورة في عدد العمال وفي نصيب العمل من الدخل القومي وإذا كانت الثروات تتحقق دون إضافة قيمة بالضرورة يزيد التفاوت في الدخول. وفي نفس الوقت يحدث انخفاض في دخل جهاز الدولة وانخفاض في مستوي معيشة العاملين في هذا الجهاز مع زيادة التضخم ليس نتيجة لزيادة الدين العام الذي تجاوز معدله حاليا 100% من الدخل القومي بل أساسا زيادة كمية النقود مع ثبات بل انخفاض الإنتاج السلعي. هل يمكن تصور هذه الأوضاع دون تفشي الفساد في جهاز الدولة؟ هل يمكن حدوث ذلك دون انهيار العملية التعليمية والبحث العلمي والذي لا يمثل احتياجا لنشاط اقتصادي غير محدث للقيمة. إن النشاط الإنتاجي المحدث للقيمة لم يكن موضع اهتمام السياسة الاقتصادية لمدة ثلاثين عاما والبطالة والفقر والفساد هي النتائج المنطقية. عنوان الندوة جانبه الصواب بل لعله إذا أردت أن تحدث ثروة من مصلحتك أن تكون لصا فليس طريقك سهلا إذا أردت احداث قيمة.