في الموازنة الحالية التي بدأ العمل بها أول يوليو تم تخصيص 59.5 مليار جنيه للاجور والمرتبات بزيادة 8.3 مليار جنيه عن العام السابق، وقالت صحيفة "الأهرام" ان هذه الزيادات سوف توجه إلي صرف العلاوة الاجتماعية الجديدة التي تم اقرارها بنسبة 15% بالاضافة إلي ضم علاوات اخري اجتماعية ودورية خلافا لعلاوة تشجيعية سوف تمنح لنحو 10% من الموظفين المتميزين، وان هذا يعني أن رواتب الموظفين سوف ترتفع مع الشهر الحالي بنسبة قد تصل إلي 300% (نكرر 300%) من الأجر الأساسي!! ثم اضافت الصحيفة في نفس الخبر أن العلاوات الأربع سوف تودي لزيادة أجور الموظفين بنسب تتراوح ما بين 15% و33%. ورغم اصرار الحكومة علي تبني لغة الأرقام الغامضة التي لا يفهمها أحد الا انه من المؤكد ان أجور الموظفين بالفعل سوف تزيد مع مرتبات يوليو القادم، ولكن هل هذه الزيادات المتكررة في الأجور الشاملة باتت تتلاءم بالفعل مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيش فيه الموظفون اليوم؟ وهل ستساهم هذه العلاوات في رفع مستوي المعيشة الفعلي للمواطن بحيث يستطيع تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرته دون عناء؟ بالتأكيد لن يحدث ذلك وهذا بالطبع لا ينفي جهود الدولة في العمل علي تحسين ظروف الموظفين، ولكن في ظل اقتصاد السوق والخصخصة وانفلات أسعار جيمع السلع والخدمات بلا استثناء دون وجود نية حقيقية للحكومة للتدخل للسيطرة علي الأسعار والرقابة علي الأسواق تظل هذه الزيادات متواضعة جدا بحيث لن تحدث فارقا كبيرا بالنسبة للموظف. ولذلك يكون من الافضل ان تضع الدولة سياسة جديدة للأجور والمرتبات في مصر غير السياسة المعمول بها حاليا والتي لا تحكمها معايير عادلة وخاصة فيما يتعلق بالحدين الأدني والاقصي للاجور او من حيث التفاوت الشديد من أجور صغار الموظفين وبين موظفي الادارة العليا مما يعد اعتداء علي مبدأ المساواة والعدالة في توزيع الدخول، والدليل علي ذلك ان أجر الموظف في أول التعيين يقدر بنحو 150 جنيهاً شهريا في الوقت الذي يبلغ فيه دخل كبار الموظفين نحو 100 ألف جنيه أو أكثر بما يمثل أكثر من 500 ضعف عن الموظف الصغير وهو معدل يوضح مدي الظلم البين في توزيع الأجور والمرتبات علي أن تركز في الأساس علي رفع الحد الأدني للأجر كما اعتقد اننا لا نجده في أي مكان في العالم سوي مصر. لذلك نتمني من المجلس الأعلي للأجور الذي اجتمع مؤخرا بعد سبات عميق برئاسة الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية ان يضع تصورا شاملا لسياسة جديدة للأجور الأساسي المحدد ب 35 جنيها وفقا للقانون 53 لسنة 1984 وهو رقم لم يعد يصلح - بأي حال من الأحوال - لان يكون بداية التعيين في الحكومة لأنه بصراحة لا يكفي لشراء كيلو من اللحم وهو ما يجعلنا نتخيل مدي ضآلة وتواضع أجور معظم العاملين في الدولة، واعتقد ان زيادته 4 أضعاف ليصل إلي 140 جنيها ليكون بداية معقولة اذا اضيفت إليها البنود الأخري مثل المكافآت والعلاوات والبدلات والحوافز وغيرها مع وضع ضوابط لصرف هذه الأجور المتغيرة بحيث لا تتعرض للمنح والمنع طبقا للأهواء والعلاقات الشخصية والمحاباة. كما ان استمرار العمل بالنظام الحالي يسقط عاملي الكفاءة والخبرة كمبدأين اساسيين للصعود في السلم الوظيفي والترقي لمناصب أعلي تدخله في شريحة أعلي من الأجور، وذلك بسبب تحكم الأهواء والعلاقات الشخصية داخل الجهاز الاداري للدولة في منح الدرجات الوظيفية او النقل إلي وظائف اخري يتمتع اصحابها بأجور مرتفعة ومميزات اضافية هائلة ويتعدي الأمر أحيانا إلي نقل موظف أو وظيفة مماثلة في جهة تابعة لنفس المصلحة او الهيئة يتمتع فيها بامتيازات أكبر، بينما يتم ابعاد موظف آخر إلي وظيفة أقل من وظيفته الأساسية وخصم جزء من راتبه بسبب تغلب عوامل المحسوبية والوساطة دون النظر إلي اعتبارات الكفاءة والاتقان. لتحقيق العدالة بين الموظفين يجب إحداث تغيير جذري في قانون العمل لاعادة العلاقة السوية بين الرؤساء والمرؤوسين بحيث تقوم علي الاحترام المتبادل ووضع مصلحة العمل في المقام الأول وتشجيع الكفاءة والمبادرة والأفكار الجديدة وليس محاربتها لمنع الكفاءات من الظهور وتبوء المكانة الوظيفية التي تستحقها، وكذلك اعتماد معايير نزيهة وعادلة في وضع التقارير السنوية لتقييم الموظفين وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب الذي من شأنه ان يجعل الموظف أكثر التزاما في عمله وحرصا عليه، ونحسب ان قانون الوظيفة الجديد سوف يعالج هذه البنود المهمة. ان وضع معدل مناسب للأجور يمكن تعديله كل عام أو عامين بحيث يتناسب مع معدلات التضخم والأسعار قد يساهم إلي حد كبير في حل مشكلة الأجور في مصر والتي تفاقمت في الفترة الاخيرة وخاصة بعد اقرار قانون الكادر الخاص للمعلمين ومطالبة العديد من الفئات بمنحهم كادراً خاصاً مثل الأطباء والمهندسين والأطباء البيطريين وخبراء التزييف والذين يطالبون بمساواتهم بخبراء الطب الشرعي وغيرهم من أصحاب المهن المختلفة، والافضل من ذلك رفع الأجور بالنسبة لكل الفئات المهنية بما يتناسب مع تخصصاتها وواجباتها الوظيفية، لانني أري ان سياسة الكادرات الخاصة قد تسهم في حل المشكلة بصورة جزئية، لأن كادر المعلمين الذي أصبح البعض يطلق عليه (أم الكوادر) لن يمثل في الحقيقة إلا خطوة متواضعة من أجل تحسين ظروف المعلمين الذين مازالت الدروس الخصوصية تمثل المصدر الأساسي لدخولهم حيث تؤمن لهم دخولا ضخمة تقدر بمئات الآلاف من الجنيهات سنويا. يبقي أن نؤكد أن ترهل الجهاز الحكومي للدولة لا يتحمل مسئوليته الموظفون، ولكن من الممكن اصلاح الأوضاع داخله بالتدريب واعادة التأهيل لرفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة، ومعالجة القصور في توزيع الأجور بين الأجهزة والهيئات المختلفة بالدولة الأمر الذي يحقق قدرا أكبر من العدالة بين جميع العاملين في الدولة، وأخيرا يجب القضاء علي الاستثناءات في منح الحوافز والبدلات والمكافآت التي يتم منحها لفئة قليلة جدا من موظفي الإدارة العليا والتي تصل إلي مبالغ فلكية وكذلك الحد من مكافآت حضور اللجان لأن كل هذه الامتيازات الاستثنائية تعد الباب الخلفي لتضخم مرتبات الكبار والتي تزيد الفجوة بين أجور الموظفين الصغار وبين الموظفين "السوبر". [email protected]