تضمن بروتوكول الإسكندرية الذي أنشأ جامعة الدول العربية عام 1945 أهمية التعاون في الشئون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحددت المادة الثانية منه مجالات التعاون في ستة بنود في مقدمتها الشئون الاقتصادية والمالية والتجارية والنقدية بالإضافة إلي التعاون في شئون المواصلات البرية والجوية والبحرية وفي شئون الجنسية والجوازات والشئون الثقافية والصحية وكلها مجالات يتعين أن تسبق التعاون السياسي الذي قد تشوبه صعوبات يمكن علاجها تدريجيا مادامت هناك قاعدة للتعاون الاقتصادي بين الدول العربية. غير ان مجلس جامعة الدول العربية بدلا من أن يتولي هذا التعاون عن طريقه مباشرة تولاه بطريق غير مباشر حيث اسنده إلي مجالس ومنظمات متخصصة ومستقلة وبعيدة عنه "بلغت حاليا ما يزيد علي عشرين منظمة" ونظمت بشأنه مؤتمرات وملتقيات وندوات أصدرت مئات التوصيات والمطالبات بينما لم تصل إلي مستوي التنفيذ العملي في أي منها لأنها لم تتابع وكانت تهمل بمرور الوقت لأن أغلب هذه التوصيات كانت فارغة من خطوات عملية ومملوءة بتمنيات تدعو إلي التعاون الجاد المحدد في بروتوكول إنشاء جامعة الدول العربية الذي لم يتم منه شيء حتي الآن. لقد توزع التعاون الاقتصادي العربي علي جهات متعددة لكل منها إدارة مستقلة وميزانية مستقلة وأفكار مستقلة دون أن يكون هناك ارتباط أو تنسيق مع ما ورد في بروتوكول الانشاء وهو ما أفرز الفشل التدريجي في تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية التي أنشئ مجلس خاص لتحقيقها عام 1956 كما افرز الفشل في تحقيق السوق العربية المشتركة التي أعدت لها اتفاقية خاصة عام 1964 وإذا كانت منطقة التجارة الحرة الكبري قد تم تنفيذها وألغيت الجمارك علي السلع العربية المتبادلة بين الأعضاء فإن التنفيذ ليس كاملا حتي الآن بالنسبة لكل بنودها بدليل ان التجارة العربية البينية لم تصل إلي الهدف الذي وضع له وهو 20% من جملة التجارة الخارجية العربية بينما لا تتعدي حاليا 10% فقط "يرجع الي التقرير الاقتصادي العربي الموحد الصادر في سبتمبر 2006". وليس هناك شك في أن عدم تحقيق أهداف التعاون الاقتصادي العربي يرجع أولا وأخيرا إلي عدم وجود قيادة اقتصادية موحدة تتولي مسئولية تحقيق أهداف هذا التعاون وتسأل عنه وأعتقد أن الصورة القاتمة للتعاون الاقتصادي العربي كانت أمام مؤتمر القمة الذي انعقد بالخرطوم في العام الماضي حيث تقرر ان تقوم جامعة الدول العربية بإعداد استراتيجية جديدة للعمل العربي المشترك لكي يعود إلي الطريق الصحيح ويكون تعاونا جادا تتولاه قيادة موحدة وليست موزعة بين جهات متعددة الإدارة الاقتصادية في جامعة الدول العربية ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية وجزئيا المنظمات العربية المتخصصة وفي مقدمتها صندوق النقد العربي وقد تم عرض هذه الاستراتيجية الجديدة علي مؤتمر قمة الرياض في أواخر مارس الماضي الذي قرر عقد قمة اقتصادية عربية لإقرار هذه الاستراتيجية في أقرب وقت ممكن وقد اقترح الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية أن تنعقد هذه القمة في ديسمبر القادم. لقد تم إعداد هذه الاستراتيجية فعلا في أواخر العام الماضي وتمت مناقشتها في اجتماع حضره الأمين العام لجامعة الدول العربية وعرضت علي المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالجامعة في دورته العادية التاسعة والسبعين التي انعقدت في منتصف فبراير الماضي وذلك ضمن ملف اقتصادي كامل يتضمن أيضا انشاء الاتحاد الجمركي العربي وإنشاء مرفق البيئة العربي وقمر صناعي عربي لمراقبة كوكب الأرض والاستراتيجية العربية للاتصالات والمعلومات وكلها موضوعات مهمة ولكن تجبها الاستراتيجية الجديدة للعمل العربي المشترك والتي يتعين أن تأخذ الأولوية الأولي في مؤتمر القمة الاقتصادية القادم خاصة انها يمكن أن تضم إليها في التنفيذ كل الموضوعات الاقتصادية المشتركة ما دامت قد توحدت قياداتها وأسندت إلي جهاز واحد له إدارة موحدة. ويلاحظ ان الاستراتيجية الجديدة التي سيتم عرضها علي مؤتمر القمة الاقتصادية القادم تتضمن مراجعة شاملة وانطلاقا جديدا للعمل العربي المشترك حيث تضمنت كل المشروعات الاقتصادية التي نأمل أن تتحقق في أقرب فرصة ممكنة كرد فعل للتباطؤ والإهمال والتهميش الذي شهده العمل العربي المشترك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية طوال نصف القرن الأخير خاصة أنها تشمل البنود الرئيسية التالية: