لم تكن المرة الأولي التي أزور فيها بريطانيا، لكنها المرة الأولي التي ادخل فيها إلي عمق الصراعات السياسية بين مجلسي العموم واللوردات البريطاني وان استمع إلي حوارات اعضاء المجلسين حول سياسات توني بلير رئيس الوزراء الحالي الذي سيترك منصبه خلال أيام ليخلفه جوردن براون وزير المالية القليل الشعبية، والذي وفقا لارائهم لا يهتم سوي بجباية الضرائب. خطوت عند مدخل البرلمان البريطاني أقدم للحارس جواز مروري إلي البرلمان أو الدعوة التي وجهت إلي وهي مجموعة EVRM باسم اللورد ايرل اوف ايرول "مارلين هاي" لحضور الحفل السنوي لمجموعة صناعية برلمانية تهدف إلي دعم القرارات السياسية والاقتصادية التي تخدم خطط التطوير في مجال الاتصالات ودعم المنتجات البريطانية في منافستها في أسواق العالم الاقتصادية. ووفقا للمواعيد الانجليزية فإن الحفل يبدأ في السادسة وينتهي في الثامنة، دون دقيقة تقدم أو تؤخر، واعتبرت نفسي محظوظة لأن اللورد ايرل اوف ايرول وعدني بجولة داخل ردهات البرلمان قبل بداية الحفل بخمسة عشر دقيقة كاملة.، كنت الهث فيها وراءه سواء في سرعته في التحرك بين الردهات أو الحديث "بسرعة صاروخية" واصفا الردهات واللوحات المرسومة والوثائق المعلقة علي الحوائط والمبادئ التي حكمت عمل البرلمان مضيفا إليها تعليقاته اللاذعة حول ما يحدث الان من صراع سياسي بين الاحزاب واعضاء مجلسي اللوردات والعموم. في مجلس اللوردات الاحمر اللون الاحمر هو اللون المميز لمجلس اللوردات البريطاني مقابل اللون الاخضر لمجلس العموم، لذا فالأرضيات والحوائط والكراسي والستائر كلها تكتسي باللون الاحمر، وقد بدأت جولتي بحضور احدي جلسات الاستماع داخل مجلس اللوردات حيث دارت الاحاديث حول سياسات التعليم والصحة في بريطانيا والدقائق القليلة التي قضيتها داخل جلسة الاستماع كانت كافية لبث الرهبة والاحترام. ففي صدر المجلس الحائط المصنوع من الذهب الخالص الذي يمثل التاج البريطاني حيث تحضر الملكة بزيها الرسمي الاحتفالي، لإعلان بداية الدورة البرلمانية وقراءة الخطاب الذي تعده الحكومة. واصطحبني اللورد ايرل اول ايرول إلي القاعة التي ترتدي فيها الملكة رداءها الاحتفالي والقاعة التي تلتقي فيها قادة الدول والتي تغطي جدرانها صور الملوك والملكات والمبادئ التي يقوم عليها الحكم البريطاني مثل الاحترام والكرم وحسن الضيافة والرحمة والامانة والولاء. وعقب اللورد علي ذلك بقوله انه في السابق كانت تحكمنا المبادئ أما اليوم فلا تكفي المبادئ ونحتاج إلي القوانين والاجراءات والعقوبات. وفي قاعة أعضاء المجلس التي تضم لوحتين كبيرتن، الأولي يمينا تمثل انتصار البريطانيين علي الفرنسيين في البحر والثانية يسارا تمثل انتصارهم في البر، وتضم القاعة أيضا لوحة للنسخة الاصلية من بين نسختين لما يسمي "ماجنا كارتا" أو "الورقة العظيمة، وهي الورقة التي طالب فيها الشعب البريطاني بتقليص سلطات الملك في عام 1215 وهي الأساس التي قامت عليه قاعدة الحكم البريطاني السائدة حتي الان وهي أن الملك يملك ولا يحكم، ويروي اللورد ايرل أوف ايرول أنه في اعقاب الحرب الاهلية البريطانية طالب الملك تشارلز الاول ببعض الاموال من البرلمان البريطاني ووافق البرلمان مقابل ان يتخلي الملك عن بعض سلطاته وبعد هزيمة الملك في الحرب واعدامه اعلن قيام "الجمهورية البريطانية" كمنولث اوف انجلترا" وتولي قيادة الجمهورية اوليفر كرومويل الذي حكم لمدة احدي عشر عاما اتسمت بالتزمت الديني والتضييق علي الحريات، فطالب الشعب البريطاني بعودة الملكية مرة أخري بشرط تقييد سلطات الملك ليملك ولا يحكم. ولأنها التقاليد يروي اللورد ايرل اوف ايرول انه ترسيخا لهذه القاعدة تقوم الملكة عند افتتاح البرلمان بارسال رسولا يحمل في يده عصا من مجلس اللوردات إلي مجلس العموم وعندما يصل يغلق اعضاء المجلس الأبواب في وجهه وعليه أن يدق الباب بعصاه ثلاث مرات قائلا ان الملكة تستأذن وليس تامر أو تطلب اعضاء مجلس العموم لحضور الجلسة الافتتاحية للبرلمان في مجلس اللوردات، فيوافق اعضاء المجلس ويفتتحون الابواب. وهو تقليد يرسخ مفهوم ان لمجلس العموم المنتخب سلطاته الخاصة، ومن يري الباب الرئيس لمجلس العموم سيجد اثارا عميقة لتلك الدقات الثلاث التي تكررت علي مدي مئات السنين وتركت اثارها علي الباب.