بقدر ما حظيت به مبادرة البنك المركزي المصري لتسوية ديون العديد من عملاء البنوك مؤخرا بصخب إعلامي إلا أن الكثير من الأقلام لم تحلل سبب تعثر هؤلاء العملاء، فلا يخفي علي أحد أن نسبة كبيرة من تعثر المشروعات وإفلاسها يعود لعدم الدراسة الجيدة، وأصبح واضحاً للعيان تكرار هذه الظاهرة حتي في بعض الاستثمارات الكبري وأبرز مثال علي ذلك العقارات المتعطلة التي يشاهدها كل من يمر بسيارته علي طرق المدن الجديدة، فبعد أكثر من ثلاثين عاما من التحول للسوق الحر هل أصبحنا "اقتصاد معلومات" كما تصف الاقتصاديات المتقدمة نفسها، أم أن المعلومة لا تحظي بالمكانة الكافية في القرار الاستثماري في مصر، وهل تقوم الدولة بدورها في توفير المعلومات للمستثمرين؟، وهل من حقها أن تتاجر فيها؟، وأيضا هل تقدمها بالسعر العادل؟ وما هي المصادر الأخري للمعلومات عن السوق المصري؟. هذه هي الأسئلة التي حاولنا الإجابة عنها في هذا التحقيق. توفر الدولة مصادر عديدة للمعلومات عن الاقتصاد المصري ويعتبر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء أكبر مركز لإصدار هذه البيانات حيث أصدر العام الماضي فقط أكثر من ألفي نشرة وتنقسم بياناته إلي الاحصاءات الجارية كالاحصاءات الصناعية والنقل والمواصلات والاحصاءات المالية والاقتصادية والأسعار إلي جانب ذلك يقدم دراسات وبحوثاً احصائية في مجالات كالطاقة الإنتاجية والطاقة العاطلة والمخزون الراكد والاستهلاك، كما يقدم الجهاز خدماته المختلفة من خلال مراكز متعددة كمركز نظم المعلومات الجغرافية وشبكة المنتجات الصناعية. وأنشأ الجهاز "مركز المعلومات" لتقديم المعلومات لرجال الأعمال بمقابل مادي ويتم حساب هذا المقابل علي أساس عدد الدقائق التي يستغرقها "الحاسوب" في استخراج المعلومة ويصل سعر الدقيقة إلي 15 جنيها أو من خلال اتاحة المعلومات علي موقع الجهاز علي شبكة الانترنت بسعر اشتراك شهري 110 جنيهات. أما الطلبة فتتاح لهم هذه المعلومات مجانا من خلال مكتبة الجهاز وقال لنا د. صفوت البهنساوي استاذ القانون التجاري بجامعة بني سويف إن عملية بيع المعلومات بهذه الطريقة لا تتعارض مع القانون حيث إن سعر المعلومة يعتبر "رسماً" مقابل خدمة وهو ما يسمح به القانون بشرط ألا يكون مغالي فيه، أما د. أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة فقال لنا إن أسعار المعلومات المتاحة من الجهاز مغالي فيها وان ربحية الجهاز تصل فيها إلي 400%. وبجوار بيانات الجهاز تقدم الوزارات الاقتصادية المختلفة نشرات دورية كنشرات وزارة التجارة والصناعة والبنك المركزي والتي تقدم بيانات عن الاقتصاد الكلي للدولة كما شرعت وزارة الاستثمار مؤخراً في تأسيس إدارة للترويج مهمتها تقديم دراسات قطاعية متخصصة لاجتذاب الاستثمار الأجنبي من خلالها. أما عن القطاع الخاص فهناك العديد من الجهات التي تقدم المعلومات بدءا من غرف التجارة الأجنبية وبرامج المعونة الأجنبية ثم شبكة الانترنت التي يتاح عليها كم غزير من الدراسات العامة والمتخصصة عن الاقتصاد المصري، والتي تصل أسعارها لآلاف الدولارات، ثم شركات البحوث المتخصصة في مصر والتي تلزم باستخراج تصريح من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء عن كل دراسة تعدها وهو الترخيص الذي تتراوح مدته حسب ما ذكر لنا مديرو بعض هذه الشركات بين بضعة أيام وأسبوع أو أسبوعين وتطول مدة استخراج الترخيص في البحوث التي توزع فيها عينات "غذائية" علي عينة البحث للحصول علي موافقات أمنية علي الباحثين. منذ ربع قرن وبدأ هذا النشاط منذ حوالي 25 سنة علي حد قول مسئولي هذه الشركات واعتمد في البداية بشكل اساسي علي المستثمرين الأجانب في مصر ثم توسع مؤخرا مع العملاء المحليين، وقد ذكر لنا محمد أحمد مدير شركة تي إن إس للبحوث ان العملاء المحليين لم يبدأوا في طلب خدماته إلا منذ 5 سنوات فقط، وان هذه الشركات تقدم نوعين من البحوث.. بحوثاً عامة تطرحها الشركة للبيع وتسمي "بحوث ابتدائية" وبحوثاً تعد خصيصا حسب الطلب. كما أكد بعض العاملين في هذا المجال أن هذه النوعية من الدراسات تركزت مع بدء هذا النشاط في مصر في قطاع المنتجات الاستهلاكية مثل المنتجات الغذائية والمشروبات الغازية والمياه المعدنية والشاي والصابون والشامبو ومساحيق الغسيل ثم توسع النشاط بعد ذلك ليدخل في مجالات الاتصالات والبنوك والعقارات والمنسوجات والطيران.