في حواره مع السيدة مني الشاذلي علي قناة "دريم" فإن الصديق الأستاذ عماد الدين أديب الإعلامي المتمرس فجر قضية مهمة عندما تناول بالتعليق ما يجري علي الساحة الإعلامية اليوم من اتهامات متبادلة في كل الاتجاهات و"الشتائم" التي تنطلق هنا وهناك بحيث لم يعد هناك من يعرف هذا مع من وضد من؟ وبحيث ينال الجميع جانبا من هذه الشتائم دون أسباب واضحة أو منطقية..! والحقيقة ان ما قاله الأستاذ عماد أديب هو في مضمونه صرخة استغاثة لأن تكون هناك إعادة مراجعة لأحوالنا قبل مزيد من التدهور فحين تضيع الحقيقة، وحين يختفي التقييم الموضعي في هذا الواقع المتدهور فإن المجتمع تضيع فيه كل معايير الموضوعية والقيم والأخلاق ويصبح كل شيء مباحا ومستباحا بما في ذلك الجريمة بكل أشكالها وأنواعها، وتضيع أيضا صفات الحق والعدل والشرف والفضيلة. ومن يتابع الصحافة سواء كانت قومية أو حزبية أو مستقلة سيجد الاتهامات تتردد هنا وهناك ومن يحصل علي الاشادة في صحيفة سيجد العكس والتنديد به في صحيفة أخري، ومن يحصل علي مديح في صحيفة سيجد في نفس الصحيفة لوما وتقريعا في اليوم التالي ومن كان مثالا للطهارة والشرف سيتحول بين عشية وضحاها إلي نموذج للنصب والاحتيال..! ولقد كان ممكنا تلافي هذا الوضع الغريب الذي وصلنا إليه لو كانت هناك صحافة وطنية حقيقية تدرك معني وانعكاسات وتبعات ما نحن منحدرون إليه، ولو أن هناك صحافة قومية تقود المجتمع ولا تنزلق إلي نفس المهاترات والمزايدات وتبادل الاتهامات واللعنات وهو الدرب الذي انتهجته بعض الصحف المستقلة والخاصة والذي تجاوبت معه الصحافة القومية لتضيع بوصلة ومعايير التقييم الصحيح وليدخل الجميع نفق الإثارة بكل ما فيه من مفاجآت وغرائب..! فقد رأينا بعض رؤساء تحرير المجلات والصحف القومية وهم يشنون هجمات ذات اليمين وذات اليسار ضد هذا أو ذاك لمجرد الاختلاف في الرأي السياسي أو لمواقف إعلامية تختلف عن قناعاتهم وما يعتقدون انه دورهم الإعلامي الموكل إليهم ولم يقف هؤلاء عند حدود الاختلاف فقط وانتقاد هذه المواقف وانما انطلقوا أيضا يرفعون سلاح التشهير ضد خصومهم ويفتحون ملفاتهم ويتحدثون عن حياتهم الخاصة ويحاولون تدميرهم تدميرا في المجتمع في خصومات لم تكن شائعة أو معروفة من قبل خاصة من رؤساء تحرير الصحف القومية الذين كان معروفا انهم يبذلون جهدا كبيرا لتجنب الخوض في معارك مهنية بلا ضابط أو حدود وكانوا في أحيان كثيرة يترفعون عن الخوض فيها..! وقد يقول البعض انهم يفعلون ذلك بعد تعرضهم لحملات ظالمة من النقد والتجريح وأنهم لا يستطيعون الصمت طويلا إزاء الافتراءات التي تنال منهم غير أننا نختلف لأننا نري دورهم ومسئولياتهم أكبر من حدودهم كأفراد فهم ضمير الأمة الذي يجب أن يبقي طاهرا وهم قادة الفكر والرأي بما في ذلك من مسئولية وتبعات في أن يقودوا ولا ينقادوا وأن يعلموا الآخرين معني الاختلاف وثقافة الحوار وان يعطوا الجميع دروسا في التسامح والترفع عن الصغائر والسمو فوق الاحقاد وخلافات الماضي وذكرياته..! ولن نوجه اللوم فقط إلي بعض القيادات الصحفية في المسئولية عما يحدث إذ أن جزءا أكبر من المسئولية يقع علي عاتق نقابة عاجزة مستكينة كانت طرفا ايضا في لعبة المزايدات والصراعات السياسية دون ان تستطيع ان تكون بيتا للعدل والقيم وصماما للحريات ومرجعا لخلافات وقضايا ابناء المهنة حيث تركت الأمور تختلط والمشاكل تتفاقم ولم تؤد دورا تنويريا ولا حتي اشرافيا أو مهنيا لحماية أصحاب المهنة من أنفسهم ولتوقف غلواء البعض وشطحاتهم ولم تحدد أو تضع حدودا لتجاوزات واساءات البعض وتركت الباب مفتوحا لصحافة جديدة منفلتة أخلاقيا وادبيا ومهنيا ليس لها من معايير أو ضوابط ولا تنشر إلا كل ما يحمل شرا ودمارا بالآخرين. ولأننا أمام نقابة انشغلت بأدوار سياسية غير مفهومة أو مطلوبة فإن دورها علي الساحة الاعلامية شابه الكثير من الضعف والقصور بحيث أصبح كل من يعمل في هذه المهنة عرضة للتشويه والتشهير والتجريح دون ان يعرف لماذا؟ ودون ان يجد من يحميه داخل بيته الذي أصبح محطما من الداخل بلا دور أو رؤية واضحة..! وعودة الي ما قاله الاستاذ عماد أديب حول ضبابية هذه المرحلة التي اختلطت فيها كل الاوراق فإننا نعتقد رغم كل هذه الظواهر السلبية المتزايدة انها تأتي انعكاسا لمرحلة انتقالية في محاولة الاصلاح السياسي وأنها قد تكون ظواهر مخيفة ومقلقة إلا أنها ستبقي مع ذلك أفضل كثيرا من مراحل الكبت والقهر ومصادرة افكار الآخرين وعلينا ان نتحمل قليلا..!! [email protected]