شبكات التليفون المحمول ليست جديدة في مصر، بل إن أرض الكنانة قد عرفتها منذ أكثر من عشر سنوات. ومنذ ذلك الحين، وبالتحديد منذ عام 1996، وهذا الجهاز العجيب -الموبايل- ينتشر انتشار النار في الهشيم، حتي أصبح ما يقرب من عشرين مليون مصري يحملونه في أيديهم (رغم ضيق ذات اليد وضيق الأرزاق واتساع دائرة الفقر!). ورغم التخوفات من الآثار الصحية والبيئية لمحطات المحمول وأجهزة الاتصالات الحديثة، فإن الإقبال علي "الموبايلات" كان أقوي من الهواجس والتحذيرات. وفي ظل هذا الإقبال منقطع النظير أنشئ ما يقرب من 6800 محطة كبيرة وصغيرة دون اعتراضات تذكر. وفجأة.. ومنذ أسابيع قليلة بدأت "مقاومة شعبية" علي نطاق واسع لإنشاء محطات جديدة، ووصلت هذه المقاومة إلي آفاق غير مسبوقة شملت المظاهرات والاعتصامات والصدامات التي أودت بحياة مواطن مصري! فلماذا حدث هذا الانقلاب في سلوك المصريين؟! الإجابة التي ترددت في المظاهرات والتحركات المعارضة تركزت علي الأضرار الصحية للإشعاعات المنبعثة من الابراج والمحطات التي يجري بناؤها هنا وهناك. لكن هذه الإجابة البسيطة لا تقدم رداً كافياً وشافياً، فلماذا ظهرت هذه التخوفات من تلك الآثار الآن فقط ولم تظهر -علي الأقل بهذا الاتساع وتلك الحدة- خلال السنوات العشر الماضية؟! وهل لذلك علاقة بالشركة الجديدة التي حصلت علي رخصة تشغيل شبكة ثالثة مؤخراً، خاصة وأن الأبراج التي يتم بناؤها -وتعطيلها وتحطيمها- تابعة لها؟ وهل تكون الشركتان الأولي والثانية، موبينيل وفودافون، وراء تأجيج حملة الكراهية للأبراج الجديدة والتخويف منها بصورة مباشرة او غير مباشرة؟ ام أن هذا الاستياء الشعبي الواسع النطاق جزء من حالة الاحتقان العام في المجتمع، التي تشعل اوراها المواجهة المتصاعدة بين الحكومة وجماعة "الإخوان المسلمين"، وتسعي الجماعة "المحظورة"، وغيرها، إلي استغلال أي ظاهرة لتحويلها إلي خميرة عكننة ضد الحكومة؟! هذه التساؤلات طرحت نفسها علي مائدة النقاش في اجتماع تم مؤخراً مع الدكتور عمرو بدوي رئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وحضره الزميل مجدي سرحان مدير تحرير "الوفد" والزميل عصام كامل مدير تحرير "الأحرار" بالإضافة إلي كاتب هذه السطور. لكن الدكتور عمرو بدوي فضل عدم الخوض في هذه الاحتمالات، واكتفي بالحديث عن الجانب الفني وتفنيد ما يقال عن آثار صحية وبيئية ضارة لمحطات المحمول؟ فقال إن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يختص بوضع القواعد الفنية المتعلقة بالسلامة الصحية والبيئية الواجبة الاتباع عند تركيب وتشغيل واستخدام شبكات الاتصالات، ومتابعة تنفيذها وتشغيلها طبقاً للمعايير التي يتم وضعها بالاتفاق مع الوزارات والجهات المعنية بالدولة. وأن هذه المعايير ليست سرية بل تصدر بها قرارات من الوزراء المعنيين ورؤساء الجهات المشار إليها وتنشر هذه القرارات في الوقائع المصرية. وفي ضوء ذلك قام الجهاز بالتنسيق مع المعهد القومي للاتصالات ووزارتي الصحة والبيئة، لدراسة التأثيرات الصحية والبيئية. وفي هذا السياق صدر بروتوكول المحطات الكبيرة في أغسطس 2000، وبروتوكول المحطات الصغيرة في ديسمبر 2001، وبروتوكول المحطات الكبيرة المعدل في فبراير 2005. كما تم قياس 5400 محطة كبيرة وصغيرة في أول مارس الجاري، كما تم إعادة معاينة 2400 محطة للتأكد من استمرار مطابقتها للبروتوكولات ، كما تم مراجعة البروتوكولات لتحديثها طبقاً للمتغيرات التكنولوجية للأجهزة والترددات المستخدمة. واكد عمرو بدوي أنه لم يثبت علي مستوي العالم وجود علاقة مباشرة بين محطات المحمول وأي من الأمراض، كما أوضح أن اكثر من 90% من قياسات الطاقة الصادرة من المحطات تكون بنسبة 1/1000 من حدود الأمان (0.4 مللي وات/ سم2)، وأن القاطنين بالدور الأخير أسفل المحطات أقل عرضة للطاقة الصادرة من المحطة بسبب السقف الخرساني. كما كشف النقاب عن حقيقة مدهشة هي أنه كلما زاد عدد المحطات قلت الطاقة الصادرة من المحطات مما يقلل تأثيرها، بينما أنه كلما بعدت المحطة عن المستخدم تزداد الطاقة الصادرة من المحمول لتحقيق الاتصال. إذن -والعهدة علي الدكتور عمرو بدوي- كل الأمور تمام و لا توجد تأثيرات صحية او بيئية ضارة للأبراج ومحطات المحمول .