في مملكة البحرين هذه الدولة الخليجية العربية الصغيرة اتخذوا قرارا حضاريا تجاه أصحاب الاحتياجات الخاصة الذين يحتاجون إلي رعاية وعناية طوال حياتهم. والقرار يقضي بصرف إعانة مدي الحياة قدرها خمسون دينارا بحرينيا "حوالي 750 جنيها مصريا" لمساعدتهم في تكاليف علاجهم ورعايتهم. وعلاوة علي هذا القرار فإن هناك معاملة متميزة لهؤلاء في الحصول علي الوظائف الحكومية والحصول علي بعثات ومنح دراسية مدفوعة بالكامل عند تفوقهم الدراسي. وما فعلته البحرين يعكس المفهوم الإنساني الراقي في التعامل مع أصحاب الاحتياجات الخاصة من ضعاف السمع وذوي الإعاقات الذهنية وفاقدي البصر والذين أصيبوا بأمراض وراثية مزمنة. ويحدث هذا في العديد من الدول التي تنظر إلي الإنسان علي أنه قيمة وثروة يجب أن يتم استثمارها بكل الوسائل. ويحزننا أن معاملتنا لأصحاب الاحتياجات الخاصة في بلادنا قد تراجعت وتدهورت بشكل ملحوظ بحيث لا يوجد في بلادنا مراكز أو مدارس متخصصة ترعي هؤلاء وتحاول دمجهم في المجتمع بشكل سليم وعلمي والمدارس الموجودة لدينا والخاصة بهم تعاملهم أسوأ معاملة ويتم النظر إليهم علي أنهم حالات مرضية ميئوس منها!! وإذا كانت هناك بعض المدارس الخاصة لذوي الاحتياجات الذهنية والسمعية فإن هذه المدارس تحصل علي رسوم دراسية بأرقام فلكية نظير القيام بمسئولية التعليم والإعداد لهم. والمجتمع بأكمله يتعامل مع كل واحد من أصحاب الاحتياجات الخاصة بنوع من التجاهل والسخرية في أحيان كثيرة فهل المجتمع الذي لم يتوقف كثيرا عند ظاهرة استغفال عدد من المستثمرين للأطفال اللقطاء تحت ستار وشعار رعاية الأيتام والحصول علي تبرعات ضخمة من أهل الخير الذين يعتقدون أنهم يقومون فعلا بكفالة اليتيم!! ومن الصعب اقناع المجتمع كله بمؤسساته الرسمية والخاصة بكيفية تغيير نظرته وأسلوب تعامله مع أصحاب الاحتياجات الخاصة لأن ذلك كله ينبع من ثقافة مجتمعية مفقودة وهي المتعلقة باحترام الفرد وقيمته وآدميته!! فنحن لا ننظر إلي الفرد علي أنه قيمة يجب أن تحترم وإنما نتعامل معه علي أنه مجرد رقم وعدد وأن قيمته لا تساوي في أحيان كثيرة إلا مبلغ الخمسة آلاف جنيه التي تدفعها الحكومة تعويضا عنه في حالة وفاته في كارثة أو حادث كبير اهتم به الرأي العام، أما إذا مات في حادث فردي فلا تعويض ولا سؤال! ولهذا لن نحقق نجاحا كبيرا في خطواتنا نحو التقدم والإصلاح لأننا لا ننطلق من مفاهيم أساسية تنظر إلي مصلحة الفرد والارتقاء به وتحقيق متطلباته الحياتية والعمل علي أن يعرف عالم الرفاهية والرخاء ففي تعاملاتنا وخططنا فإننا نغرس لدي الفرد القناعة بأن عليه أن يقنع بما هو عليه وأن يكتفي بالبحث عن رغيف الخبز ويكتفي بذلك! ولهذا يصبح حديثنا عن أهمية العناية بذوي الاحتياجات الخاصة نوعا من الرفاهية والخيال في نظر البعض الذين سيدفعون بأن علي المجتمع أن يعتني أولا بالأصحاء قبل أن يفكر في المعاقين. ولا يوجد أمل إلا في الجهود الخاصة لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وان يبادر كبار رجال الأعمال وأثرياء هذا الوطن وأهل الخير إلي إنشاء المراكز التعليمية والتأهيلية بجهودهم الخاصة والتي يمكن أن تعمل علي إعدادهم بشكل مختلف لاستغلال طاقاتهم ومواهبهم وتوظيفها بشكل جيد لخدمة المجتمع. فالمدارس والمراكز الحكومية المعدة لهم تعتقد أن عليها الاكتفاء بتعليمهم حرفا يدوية بسيطة وكأن هذا هو كل ما سيبرعون فيه ليظلوا طوال حياتهم مجرد عمال بسطاء في أي مكان يعاملون بسخرية واستهزاء وبلا مبالاة!! ولكن المراكز الخاصة التي يمكن أن تتوافر تستطيع تنمية قدراتهم في مجالات أكثر تدهورا واستخدام تكنولوجيا المعلومات في تأهيلهم بشكل جيد لتطوير قدراتهم ودفعهم نحو اثبات ذاتهم ومواجهة الإعاقة بروح من التحدي والثقة. وفي الكثير من الجامعات في مختلف أنحاء العالم هناك عشرات الآلاف من الطلاب الذين يعانون من إعاقة ما والذين وجدوا تشجيعا ودعما من المجتمع لدفعهم للنجاح ومواصلة مسيرة التعليم والعمل. إننا علي ثقة من أن هناك الكثير من رجال الأعمال لديهم الرغبة في تقديم المساعدة والبدء باتخاذ خطوات عملية لإقامة وتمويل مشروعات تعليمية وتأهيلية لذوي الاحتياجات الخاصة، ولكننا نأمل ألا تتحول هذه المشروعات الإنسانية إلي "بيزنس" استثماري مربح كما فعل البعض في المشروعات القليلة التي أقيمت بالفعل وكما هي عادتنا في الحماس الانفعالي الذي ينتابنا عنه التصدي لعلاج أية مشكلة أو قضية والذي ينتهي بعد ذلك دون أن يحقق الأهداف المطلوبة أو يأخذ اتجاها آخر! [email protected]