في ظل معرفة الأطراف العربية والمحلية اللبنانية علي أن من يعمل علي رسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط هو الادارة الامريكية، وفق خريطة جديدة تستند إلي مشروع الشرق الأوسط الجديد، وعلي انقاض الخريطة القديمة التي رسمت في مشروع سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولي، وفي ظل معرفة الأطراف جميعاً ان من يفجر الأزمة هو وحده من يستطيع حلها، تتسارع الأحداث في لبنان بصورة دراماتيكية وخطيرة تهدد أمن لبنان ومستقبله. وامام تخوف الأطراف اللبنانية المحلية والدول العربية من مخاطر ما يجري من تطورات، تتزاحم المبادرات والوساطات العربية بقيادة الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسي لمعالجة الأزمة اللبنانية المتفاقمة، ودعوة الاطراف للعودة مجددا إلي طاولة الحوار، بعد ان فشلت طاولات الحوار والتشاور التي جلس حولها الفرقاء اللبنانيون لمعالجة أزماتهم الداخلية. وما وصلت إليه الأوضاع في لبنان وما ينتظر اللبنانيين من استحقاقات، يجعل من جميع المبادرات المحلية والعربية مهددة بالفشل، ويجعل الأهداف التي يسعي من أجل تحقيقها والوصول لها أكبر من أن تحققها تمنيات المسئولين أو رغبات الحريصين علي المعالجة. فالأزمة التي انفجرت أخيرا من خلال الشارع، ليست وليدة ساعة من الزمن، وليست هي أزمة محلية الأبعاد والأهداف والنتائج، بل ان لها تشعبات وتفرعات خطيرة تطال مستقبل فئات ودول واطراف من خلال ما يهددها في نصوص القرارات الدولية 1559 و1701 وما يهددها في بنود المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين بعملية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق، رفيق الحريري ليس بالضرورة لأن هذه الأطراف متهمة أو شاركت بعملية الاغتيال، ولكن لأن الولاياتالمتحدة وبعض الأطراف المحلية ترغب بأن تكون المحكمة الدولية فخا ينصب لقوي محلية لبنانية ولأنظمة ودول عربية، وتيارات وقوي معارضة حان وقت اسقاطها وتصفيتها من أجل مواصلة الحرب علي محور الشر ومن اجل التقدم باتجاه اقامة الشرق الأوسط الجديد وهذا هو جوهر الأزمة الحالية في لبنان. إلا أن ذلك لا يمكن له أن يتحقق دون تدويل الأزمة اللبنانية، وتدويل الأزمة لا يمكن له ان يحدث ان لم تنتشر قوات دولية علي الحدود السورية اللبنانية وعلي كافة الأراضي اللبنانية تحت أي بند من بنود وفصول مجلس الأمن الدولي، وهذا الانتشار ليس متوقعا قبل الصدام المسلح والفوضي بين اللبنانيين. الأطراف اللبنانية تعلم كل ذلك، البعض رأي فيها فرصة لتحقيق أهدافه والانتصار والانتقام من شريكه في الوطن، والبعض الآخر يحاول مقاومتها لأنها مقتله، وأمام هذا الاصرار وتصميم الفرقاء علي الذهاب بعيدا في أهدافهم وعرقلة اهداف الفريق الآخر يبقي لبنان فوق البركان ينتظر لحظة الانفجار الشامل. ولحفظ ماء الوجه وسعيا لانقاذ ما يمكن انقاذه، تحركت جامعة الدول العربية من أجل اخماد الحريق اللبناني، لكن لكل من هذه الدول اهدافها ومصالحها ربما المتناقضة والمختلفة، ففي الوقت الذي يسعي فيه السيد عمرو موسي لتقديم مبادرة باسم جامعة الدول العربية، يشتد الصراع بين دمشق والرياض، ويحتدم بين قطر والمملكة السعودية وتتصارع أطراف اقليمية ودولية مع ايران. وهذا ما يشير إلي أن حل الأزمة اللبنانية لن يكون إلا حلا دوليا وليس بيد الأطراف المحلية، لكن الأزمة التي انفجرت منذ العام 2004 بعد صدور القرار الدولي 1559 وتفاقمت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري واستعرت بعد قرار تشكل المحكمة الدولية، يشير بوضوح الي ان للأزمة أبعادا دولية وأهدافا ليس بمقدور الأطراف المحلية وربما العربية رؤيتها بوضوح، ويجعل من امكانية الاتفاق بين الفرقاء اللبنانيين علي معالجتها أمرا يبدو صعبا إن لم نقل مستحيلا. فكان انفجار الأزمة في الشارع والشارع المضاد، بالقرار والقرار المضاد، وتشابكت الأزمة واختلطت الأوراق وعجزت الأطراف عن تقديم مبادرة ترضي الجميع، بل إن مبادرة السيد عمرو موسي تجد أمامها العديد من العقبات والعراقيل، رغم الحديث عن تقدم هنا وهناك إلا أن هذا التقدم سيبقي عاجزا عن ايجاد حل فاعل للأزمة اللبنانية - لماذا؟ أولا: لأن هناك أطرافا دولية مازالت مصممة علي أن يكون الحل في لبنان حلا دوليا من أجل اصدار قرار يسمح لقوات الطواريء الدولية بالانتشار في جميع الأراضي اللبنانية. وثانيا: لأن الأطراف المحلية اللبنانية ترتبط بمحاور دولية واقليمية لها مصالحها ومشاريعها ليس في لبنان فحسب بل وفي المنطقة كلها. وأمام هذا الواقع، أعلن السيد عمرو موسي انه لن يعود إلي بيروت قبل اتفاق اللبنانيين علي الخطوط العريضة للمعالجة، وأكد أنه لن يعود قبل التأكد من نية الفرقاء اللبنانيين بالوصول إلي حل. كذلك أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أن الوضع في لبنان خطير وخطير جدا، ويهدد بانفجار شامل يكون فيه لبنان وشعبه الخاسر الأول. بانتظار كل ذلك يبدو أن الأزمة اللبنانية ستراوح مكانها، وإن كانت هذه الأزمة تتصاعد حينا وتهدأ حينا آخر إلا أن اتجاه الأحداث في لبنان لا يبشر بخير والأيام القادمة ستظهر الصورة بشكل أوضح..! مخاطر زج الدين في السياسة ومن الأمور الخطيرة أن العديد من الدول العربية تواجه في الوقت الحاضر حالة من عدم الاستقرار السياسي واحتمال الحرب الأهلية والفوضي بسبب زج الدين في السياسة.. وليس في لبنان وحده! ففي فلسطينالمحتلة مثلا نري حالة من التوتر واحتمال الحرب بين فتح وحماس حول الدعوة للانتخابات الجديدة والاختلاف حول كراسي الحكم. فالحكومة الجديدة المنتخبة ترفض التفاوض مع اسرائيل لحل المشاكل المعلقة، وتتهم في نفس الوقت الرئيس الفلسطيني بالعمالة لانه يؤيد التفاوض لرفع العناء عن الشعب الفلسطيني المحاصر. وفي العراق نجد ان بوادر الحرب الأهلية قد بدأت في بلد تم تحريره من أكثر الانظمة ديكتاتورية ودموية لينزلق العراق اليوم إلي حكم المرجعيات الدينية والزعامات المذهبية، فالكل يحاول التخلص من الدولة المدنية التي قد توحد العراق وتمنع العودة مرة أخري إلي النظام البدائي والسودان البلد العربي الغني بثرواته والفقير في انجازاته التنموية استولي عليه العسكر قبل عدة سنوات وقاموا بتطبيق الشريعة وفشلوا فشلا ذريعا مما أدي إلي تمزقه إلي عدة مناطق وولايات تحاول كل منها الاستقلال عن الحكومة المركزية والدخول معها في حرب أهلية. بالله عليكم، ما الذي يجعلنا نسير بلا معرفة المستقبل.. هل كتب علينا أن نظل نعيش حالة تخبط.