لعله من المناسب هنا أن يستعير المرء عنوان رائعة الروائي السوداني الطيب صالح "موسم الهجرة إلي الشمال" لإيجاز أحداث هذا العام الذي يوشك أن يودعنا بعد أيام قليلة بالنسبة إلي دنيا المال والأعمال في الهند. فبعد نحو عشر سنوات من انطلاق برنامج الاصلاح والتحرير الاقتصادي في البلاد وقيام كيانات اقتصادية هندية عملاقة في مجالات عديدة شملت الزراعة والتجارة والشاي والصلب، جاء العام الحالي ليشهد اتجاه العديد من الامبراطوريات الاقتصادية الهندية نحو "الشمال" حيث القارة الأوروبية لتصبح أوروبا قاعدة انطلاق الهنود صوب السوق العالمية. إذ إنه بعدما ظلت الشركات الهندية طريدة أو فريسة للشركات الأجنبية العملاقة التي تبحث عن صفقات استحواذ، باتت تلك الشركات الهندية صيادا ماهرا يطارد الشركات العالمية الكبري بغية الاستحواذ عليها في إطار بحثها عن مكان لها بين الكبار. وقد شهد العام الحالي قفزة كبيرة في صفقات الاندماج والاستحواذ التي قامت بها الشركات الهندية حيث ضخت تلك الشركات حوالي 20 مليار دولار لتمويل هذه الصفقات مقابل 6.9 مليار دولار في العام الماضي. ورغم أن عدد صفقات الاستحواذ الأجنبية التي نفذتها الشركات الهندية خلال العامين الأخيرين بلغ 320 صفقة، فإن متوسط حجم أي صفقة زاد خلال الفترة ذاتها بنسبة 500% تقريبا إلي 150 مليون دولار. وبدا واضحا خلال العام الجاري أن الشركات الهندية لم تعد تركز علي الأسواق الناشئة في اَسيا وأفريقيا سعيا وراء صفقات الاستحواذ، وإنما بدأت تتجه بقوة إلي الأسواق الكبري في أوروبا والولايات المتحدة. ومن أبرز الصفقات التي عقدتها الشركات الهندية خلال العام الحالي استحواذ شركة ميتال ستيل للصلب METAL STEEL علي شركة أرسيلور ARCELOR الأوروبية ومقرها لوكسمبورج بعد معركة ضارية أفرزت أحداثها المتسارعة والساخنة أكبر شركة للصلب في العالم. كما نجحت شركة فيديوكون الهندية في شراء شركة طومسون الفرنسية للالكترونيات وشركة دايو اليكترونيكس الكورية الجنوبية في إطار صفقتين بلغت قيمتهما مليار دولار.. أما شركة تاتا للشاي وهي إحدي شركات مجموعة TATA GROUP فقد اشترت شركة الأغذية والمشروبات الأمريكية إنيرجي براندس مقابل 677 مليون دولار. واشترت شركة ألبان ليود الهندية شركة البترول النرويجية الكبري سينفيست مقابل 452 مليون دولار.. كما اشترت شركة سوزلون إنيرجي شركة هانسون ترانسميشن البلجيكية مقابل 565 مليون دولار. وشاركت شركات الأدوية الهندية في سباق الاستحواذ علي الشركات الأجنبية حيث شهد هذا القطاع عدة صفقات ضخمة من بينها نجاح شركة دكتور ريديز في شراء شركة بيتا فارما الألمانية مقابل 570 مليون دولار، وشركة رانياكسي في شراء نيرابيا الرومانية مقابل 324 مليون دولار. ومع اقتراب العام من نهايته تقدمت شركة تاتا ستيل بعرض لشراء شركة الصلب الهولندية البريطانية العملاقة كوروس مقابل 2.9 مليار دولار لتصبح أكبر صفقة استحواذ خارج الهند في حال إتمامها. واتسع نطاق صفقات الاستحواذ والاندماج التي كانت قد بدأت عام 2000 علي مستوي محلي في الهند خلال السنوات الماضية لتشمل جميع المجالات تقريبا من شركات الفنادق الأمريكية إلي شركات الصلب والدواء الأوروبية. ويقول انجان روي المستشار الاقتصادي لاتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية إن عددا من الشركات الهندية صارت عالمية من خلال صفقات الاستحواذ والاندماج التي ساعدتها في تثبيت أقدامها علي الساحة العالمية وفتح أمامها أسواقا جديدة وحصلت علي اعتراف عالمي بمكانتها الدولية. وفي إشارة واضحة إلي توجه الشركات الهندية نحو أوروبا لتكون قاعدة انطلاق لها إلي العالمية، استحوذت أوروبا علي 48% من إجمالي صفقات الاستحواذ والاندماج التي نفذتها هذه الشركات خلال العالم الحالي والتي تجاوزت ال 300 صفقة.