بعد تسعة أشهر من الانتظار رفعت مجموعة دراسة العراق برئاسة وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر والنائب الديمقراطي لي هاملتون تقريرها إلي الرئيس جورج بوش الذي وصفه بدوره بأنه تقييم قاس. ومن جملة توصيات هذا التقرير أنه تطرق للصراع العربي الاسرائيلي حينما اكد علي ضرورة تحقيق دفعة جديدة لحل النزاع العربي - الاسرائيلي، وإلا لن تستطيع الولاياتالمتحدة تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط، حيث يبين التقرير الاهمية العالمية للعراق، وهي باختصار تكمن في أن مخزون العراق من البترول يعتبر ثاني أهم مخزون لاحتياطي البترول في العالم ولذا فان حماية المصالح الأمريكية تتطلب تعديلا شاملا في سياساتها ازاء المنطقة، ومن هنا وبحسب المراقبين وجب ان تهتم الادارة الأمريكية بانهاء النزاعات الاسرائيلية مع الفلسطينيين ومع سوريا ولبنان، وانشاء الدولة الفلسطينية. وفي هذا السياق سارعت الرئاسة الفلسطينية بالثناء علي تركيز تقرير مجموعة الدراسات حول العراق علي ضرورة تسوية النزاع العربي الاسرائيلي معتبرة أن حل الموضوع الفلسطيني بداية لحل مشكلات الشرق الأوسط، في حين دعت حركة حماس إلي أخذ العبرة من هذا التقرير وامتنعت الحكومة الاسرائيلية عن التعليق. تقرير بيكر - هاملتون حث بشكل مباشر علي اظهار التزام متجدد ومتواصل من أجل التوصل إلي خطة سلام شاملة بين اسرائيل من جهة والفلسطينيين وسوريا ولبنان من جهة أخري، واضاف التقدير أن هذا الالتزام يجب ان يشمل محادثات مباشرة بين اسرائيل ولبنان والفلسطينيين الذين يعترفون فيما بينهم بحق اسرائيل في الوجود، وهي التوصيات أو النقاط الأربع التي ترجمها التقرير من 13 - 17 وتشير إلي طبيعة الصراع العربي الاسرائيلي من جملة 97 نقطة وتوصية. ما ساقه تقرير بيكر - هاملتون يفسر سرعة اعلان رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود أولمرت عن مبادرته لاستئناف العملية التفاوضية علي المسار الفلسطيني - الاسرائيلي حيث ربطها البعض في اسرائيل والولاياتالمتحدة بتسرب ما يفيد بأن لجنة بيكر - هاملتون التي كانت تعد توصياتها حول الملف العراقي، قد اشارت بشكل واضح إلي ارتباط الملف العراقي بالصراع العربي - الاسرائيلي بشكل عام، والملف الفلسطيني - الاسرائيلي بشكل خاص، وأن اللجنة ستوصي بضرورة التحرك الامريكي السريعة باتجاه اعادة الحياة إلي هذا الملف الشائك ويقال بهذا الصدد ان اسرائيل حاولت من خلال اتصالات مكثفة التخفيف من مثل هذه التوصيات من ناحية الصياغة باللجوء إلي التعميم، لكن مثل هذه الاتصالات لم تنجح في تعديل صياغة التوصيات، ومن هنا كانت مبادرة اولمرت بوصفها سبقت الوصيات من ناحية وكشكل من أشكال المواجهة علي هذه التوصيات من جهة اخري بالاضافة إلي جملة من العناصر التي كانت خلف اسراع اولمرت بالتقدم بهذه المبادرة خاصة في المجالين الاسرائيلي والفلسطيني، فالتقرير بمثابة العدسات المكبرة لتصحيح النقاط غير المرئية أو واردة بالنسبة لبوش فقد وضع جيمس بيكر مهندسي مؤتمر مدريد عام 1991 في مواجهة انحراف رؤية بوش الثاني من الحل السياسي للقضية الفلسطينية، فالمعروف ان بيكر هو أحد اهم مهندسي مؤتمر مدريد حول الشرق الأوسط والذي تحول إلي المفاوضات السرية في اوسلو فيما بعد، ما يعني أن مستر بيكر ليس بعيدا عن مشاكل الشرق الأوسط وعلي الاخص الملف الفلسطيني - الاسرائيلي الامر الذي لا يريح اسرائيل والتي ترغب عادة في شخصيات تستقي معلوماتها حول هذا الملف من خلالها. ورغم ان بوش الابن قال لضيفه اولمرت اثناء زيارته لواشنطن بشأن التقرير "لهم أن يوصوا وعلي أن أقرر" إلا ان اسرائيل تخشي من إقدام واشنطن علي تبني توصيات لجنة بيكر - هاملتون خاصة فيما يتعلق بحل النزاع الدائر مع الفلسطينيين وفيما يتعلق أيضا بالتقرب من دمشق وطهران بهدف تذليل الصعاب أمام تورط الولاياتالمتحدةالامريكية في المستنقع العراقي ولعل اكثر ما يقلق اسرائيل انها مدعوة لمجاراة الولاياتالمتحدة في تحركها ازاء الملفات الساخنة والشائكة في المنطقة خاصة ان السفير الامريكي السابق في تل أبيب وعضو لجنة بيكر - هاملتون قد اشار بشكل واضح في مقابلة اجرتها معه "جيروزالم بوست" انه يتوقع من اسرائيل ان تحذو حذو الولاياتالمتحدة للتحرك بايجاد مخرج عادل وشامل لملفات الصراع العربي الاسرائيلي ولعل في هذه الاشارة تلميحا لارتباط مبادرة اولمرت بتوصيات اللجنة، بالقول إن التحرك الامريكي سيكون هو الاساس وجميع المبادرات بما فيها مبادرة أولمرت يجب ان تكيف نفسها مع هذا التحرك الهادف في الأساس لانقاذ الولاياتالمتحدة وليس اسرائيل!!