حذر د. محمود أبو العيون محافظ البنك المركزي الأسبق من طرح الأسهم الباقية في رأسمال بنك الاسكندرية بنفس السعر الذي دفعه بنك سان باولو الإيطالي مقابل الاستحواذ علي 80% من أسهم البنك العام. وقال إن طرح الأسهم الباقية بالسعر الذي انتهت إليه الصفقة لن يكون في الصالح مع الأخذ في الاعتبار مؤشرات السوق. وأكد أبوالعيون أن الهامش الذي أضيف لقيمة الصفقة ورفع مؤشر السعر إلي القيمة الدفترية يجب ألا يطمع فيه حملة أسهم باقي البنوك المتاحة للبيع علي الرغم من قلتها. وتصب تأكيدات محافظ البنك المركزي في تحذيرات سابقة من عدد اَخر من المسئولين عن القطاع المصرفي وخبراء بنوك كبار من التعامل مع ملفات بيع بنكي الاستثمار العربي والوطني للتنمية علي غرار ما حدث مع ملف بنك الاسكندرية، إذ إن البنك الأخير تم تنظيف محفظته الائتمانية بالكامل وإعادة هيكلته ماليا وإداريا، في الوقت الذي يحتاج فيه البنكان المعروضان للبيع حاليا مجهودات ضخمة لإعادة هيكلة مراكزهما المالية. وكانت مجموعة مصرفية إماراتية قد قاربت بالفعل علي الانتهاء من أعمال الفحص الفني النافي للجهالة للبنك الوطني للتنمية تمهيدا لتقديم عرض مالي خلال أيام، فيما أعلن بنك الاتحاد الوطني الإماراتي رغبته الاستحواذ علي بنك الاستثمار العربي، لكن لم يتخذ خطوات ملموسة في هذا الشأن، خاصة عقب استحواذه علي بنك الاسكندرية التجاري والبحري. وتردد قبل أيام اعتزام بنك الاستثمار القومي الاستحواذ علي بنك الاستثمار العربي، لكن مسذولين بالبنكين لم يؤكدا أو ينفيا مثل هذه الأنباء التي ذكرت علي نطاق ضيق داخل القطاع المصرفي. كما أعلن عمر السيسي العضو المنتدب لبنك الاستثمار العربي أمس بوجود أكثر من عرض للاستحواذ علي البنك، لكن رفض الكشف عن تفاصيل. ويستحوذ بنك الاستثمار القومي علي حصة رئيسية في بنك الاستثمار العربي الذي تأسس قبل أكثر من ربع قرن بهدف تقوية العلاقات الاقتصادية بين مصر والدول العربية، وكانت ليبيا ودول عربية أخري من أكثر المساهمين في البنك. أما البنك الوطني للتنمية فإنه إلي جانب العرض الإماراتي فإن هناك مؤسسات عالمية كبري فاتحت كبار مسئولي البنك المركزي في وجود رغبة لديهم في الاستحواذ علي البنك البالغ رأسماله 280 مليون جنيه، بل إن بعض هذه المؤسسات أرسل بالفعل طلبات للبنك المركزي للسماح لها بالاستحواذ علي أسهم البنك. ويأتي بيع بنكي الاستثمار العربي والوطني للتنمية في إطار خطة الدولة لبيع مساهماتها في البنوك والشركات المشتركة وقد تم إنجاز أكثر من 90% من هذا الملف المتوقع إغلاقه قبل منتصف العام القادم. وعلي مستوي تقييمه لصفقة بنك الاسكندرية قال د. محمود أبو العيون إنه لم يكن أكثر المتفائلين تفاؤلا يتوقع أن تصل قيمة بيع بنك الاسكندرية إلي ما يزيد علي 5.5 ضعف القيمة الدفترية للبنك مستشهدا بكلام بعض المسئولين خلال المؤتمر الصحفي الذي تم عقده يوم 17 أكتوبر الماضي للإعلان عن اسم الفائز بالصفقة.. وقال إن قيمة البنك بلغت حوالي مليارين و16 مليون دولار أي بما يعادل 11 مليارا و530 مليون جنيه، وبالحساب البسيط فإن القيمة الدفترية للبنك في تاريخ إتمام الصفقة تبلغ حوالي 2097 مليون جنيه بينما كانت تساوي وفقا للبيانات المالية المدققة التي نشرها البنك عن السنة المالية 2004/2005 حوالي 1644 مليون جنيه في 30/6/2005. ويقول المسئول المصرفي السابق إن المتبع لمؤشر السعر/القيمة الدفترية للبنوك المصرية سوف تلاحظ أن ذلك المؤشر لم يتجاوز ال 79.3 للبنك التجاري الدولي ووصل إلي 5.3 للبنك الأهلي سوسيتيه جنرال NSGB، وتتراوح قيمة مضاعف السعر إلي القيمة الدفترية في باقي البنوك ما بين 04.1 لبنك "بي ان بي باريبا مصر" BNP كحد أدني و43.2 في حالة البنك الوطني للتنمية AWBD كحد أقصي. وتساءل د. محمود أبو العيون: ما الذي حدث لكي يصبح مؤشر السعر إلي القيمة الدفترية في حالة بنك الاسكندرية عند هذا المستوي غير المسبوق؟ ويقول إنه صحيح أن إدارة بنك الاسكندرية قد قامت بجهد رائع في تنظيف البنك ائتمانيا "محفظة شركات قطاع الأعمال التي دفعت الحكومة نحو 11 مليار جنيه ثمنها لسدادها ذهب منها حوالي 9.6 مليار جنيه لبنك الاسكندرية"، كما تم تنظيف البنك ائتمانيا من خلال الأرباح الرأسمالية أو الاستثمارية الناجمة عن بيع مساهمات البنك العام في البنوك والشركات المشتركة، فقد تم بيع حصة بنك الاسكندرية في البنك المصري الأمريكي وغيره من الاستثمارات الأخري، وبلغت حصيلة البيع نحو 3.4 مليار جنيه. وعلي المستوي الإداري قامت إدارة بنك الاسكندرية بإعداد الفروع وتحسين شبكة البنك الكترونيا وإدخال نظام المعاش المبكر. ويقول أبو العيون إن كل هذه المجهودات نتج عنها تحويل البنك العام إلي بنك نظيف Clean Bank لكنه يعود ويطرح سؤالا اَخر هو: هل تكفي هذه المجهودات لكي يرتفع مؤشر السعر/القيمة الدفترية إلي هذا المستوي؟ ويعود ويجيب عن هذا السؤال بقوله إن السبب في ذلك هو نظام المزايدة السعرية، فالعرض الثاني المقدم من كونسورتيوم البنك العربي الأردني والعربي الوطني السعودي كان يعادل 8.1 مليار دولار، أي بما يقل عن عرض البنك الإيطالي بحوالي 200 مليون دولار "أي حوالي 1.1 مليار جنيه" ومثل هذا الفرق الكبير يبين أن سان باولو الإيطالي قد دفع الفرق لكي يجد لنفسه مكانا بالسوق المصري حتي تكتمل شبكته في شمال أفريقيا التي من بينها المغرب وتونس، مشيرا إلي أن أصحاب المزايدات قاموا بعمل فحص فني كامل Due Deligence لبنك الاسكندرية. وبشكل عام وبعيدا عن صفقة بنك الاسكندرية فإن محافظ البنك المركزي السابق يري أن ما يجري في القطاع المصرفي المصري هو أمر جيد يعكس ما كان يرغب فيه جميع المحللين من الحاجة إلي قطاع مصرفي قوي وقادر علي قيادة التنمية الاقتصادية وتمويل الاستثمار، ويؤكد أن عمليات الدمج والاندماج يصعب أن توجد بنوكا قوية إلا إذا كانت البنوك الدامجة قادرة علي استيعاب البنوك المندمجة الصغيرة أو المرهقة ماليا، أما عمليات الاستحواذ خصوصا التي تقوم بها مؤسسات مالية عالمية قوية فهي أفضل الصور التي تعطي البنك المستحوذ عليه قدرة علي التحول إلي بنك يطبق نظاما عالميا من خلال رؤية البنك المستحوذ.