طالعتنا الصحف منذ أيام تزف إلينا نبأ حصول وزارة الكهرباء علي موافقة رئيس الوزراء علي قطع التيار الكهربي عن الوزارات والهيئات التي لم تسدد المستحق عليها من متأخرات، وقد دفعتني هذه الواقعة للكتابة عن معاناة وزارة المالية في تدبير الموارد المالية اللازمة للإدارة المالية للاقتصاد القومي ولعل تلك المهمة الصعبة هي المصدر الاساسي للمشكلة التي تعانيها مصر وماليتها العامة. ومما لاشك فيه أن الموازنة العامة للدولة أداة مهمة لتوفير احتياجات المواطنين من الخدمات والسلع التي لا يقدمها القطاع الخاص أو التي لا تقدم له بالقدر الكافي الذي يرتضيه لتيسير أساليب معيشته الاساسية. وفي مصر فإن عملية اعداد موازنة الدولة تمر بخمس مراحل: المرحلة الأولي: تتضمن مرحلة المفاوضات بين وزارة المالية والمحافظات والوزارات والتي تنتهي في ديسمبر من كل عام. المرحلة الثانية: هي مرحلة النقاش علي مستوي مجلس الوزراء حيث تقدم الموازنة المجمعة لمجلسي الشعب والشوري في موعد أقصاه ابريل من كل عام. المرحلة الثالثة: تندرج بها المناقشات والتعديلات وموافقة مجلسي الشعب والشوري والتي تأخذ مجراها قبل نهاية يونيو أي قبل فض الدورة التشريعية السنوية. المرحلة الرابعة: هي مرحلة الصرف والتنفيذ والمتابعة والتي تنفذ بدء من العام المالي أي في (1) يوليو وحتي (30) يونيو من كل عام. المرحلة الخامسة والأخيرة: تتمثل في مراجعة التنفيذ من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات. وتعتبر الخطوات الثلاث الأولي هي فترة اعداد الموازنة وتأخذ مجراها في غضون التسعة أشهر الأولي من السنة المالية، أما المرحلة الرابعة فتعتبر مرحلة تنفيذ الموازنة، والمرحلة الخامسة هي مرحلة متابعة الموازنة اللاحقة للصرف. ويحكم الموازنة القانون رقم 53 لسنة 1973 والذي قسم الموازنة العامة إلي أربعة أبواب للموارد والاستخدامات فعلي جانب الموارد نجد الضرائب والتحويلات والقروض، وعلي جانب المصروفات الأجور والمرتبات والمصروفات الجارية الأخري والاستثمارات ومدفوعات الدين. وقد تم تعديل بعض مواد القانون رقم 53 لسنة 1973 بالقانون رقم 87 لسنة 200 والذي أعاد تبويب الموازنة إلي ثمانية أبواب بدلا من أربعة أبواب في جانب المصروفات هي: الأجوروتعويضات العاملين وشراء السلع والخدمات والفوائد والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية والمصروفات الأخري وشراء الأصول غير المالية والاستثمارات وحيازة الأصول المالية المحلية والأجنبية وعلي جانب الايرادات تم تبويب الموازنة إلي خمسة أبواب هي: الضرائب والمنح والايرادات الأخري والمتحصلات من الاقراض ومبيعات الاصول المالية وغيرها من الاصول والاقتراض. وإن كان التقسيم أعلاه من ناحية الشكل أي أنه أعاد تبويب المصروفات والايرادات القائمة بالفعل في الموازنة إلا أن وزارة المالية قد ضمنت في تعديل قانون الموازنة رقم السنة 2005 في أولي مواده فقرة مهمة جدا لم يتابع مجلسيا الشعب والشوري تنفيذها حتي تاريخه. وقد تضمنت هذه المادة الآتي: "تعد الموازنة العامة للدولة وتنفذ وفقا لكل من التصنيف الاقتصادي لأوجه نشاط الدولة أو التصنيف الإداري للجهات والوحدات كما تعرض المصروفات وتقدم إلي مجلس الشعب وفقا للتصنيف الوظيفي لأنشطة الدولة مع مراعاة إجراء التحليل علي أساس البرامج والمشروعات والأعمال في مدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون". أي أنه سيتم العمل بموازنات البرامج والأداء اعتبارا من عام 2010 وقد كانت هذه المادة مدرجة بالفعل في القانون رقم 53 لسنة 1973 (أي قبل التعديل) وأن تمت اضافة مدة الخمس سنوات لها في تعديل القانون رقم 87 لسنة 2005! كما تضمن قانون الموازنة في تعديل المادة 14 الآتي: "تشكل في كل جهة لجنة متخصصة تتولي اعداد مشروعات موازنتها وفقا لما تسفر عنه النتائج الفعلية لتنفيذ الموازنة خلال الثلاث سنوات السابقة مع مراعاة معدلات النمو الحقيقي والتضخم وعلي أساس المقاييس والأنماط الكمية والمالية والدراسات والأبحاث الفنية والاقتصادية التي تؤدي إلي تحقيق الأهداف المخططية ومع مراعاة استبعاد أية ايرادات استثنائية تحققت خلال سنة معينة" أي أن وزارة المالية تسعي بالتعاون مع الوزارات المعنية علي تأكيد مبدأ فاعلية النفقة من خلال اعداد دراسات مستفيضة عن جدوي المشروعات والاحتياجات التمويلية للوزارات بأسلوب علمي. إذن فإننا نستخلص من مادتي التعديل المذكورتين أنه حين الحديث حول الخلافات الدائمة والتي لا تنتهي بين وزارة المالية ووزارة التنمية الاقتصادية من جانب، وبين الوزارات والهيئات العامة من جهة أخري خلال فترة اعداد الموازنة وفترات الاختناقات المالية، مثلما ذكرنا في تجربة وزارة الكهرباء وهيئة مياه الشرب الحالية، فإنه يجب الأخذ في الاعتبار الآتي: