في خضم الحوادث والأحداث ننسي قضايا مهمة! ذلك أن صخب المدينة يغطي علي موضوعات لها أهمية ذات أبعاد، فلازال هناك لغط حول التعليم وكيف يصبح تعليما له مردود.. وكل وزير تربية وتعليم يأتي إلي الوزارة يحمل معه أفكارا وردية تتحول إلي تصريحات في الصحف وقعدات في التليفزيون ثم يفتر الحماس لأن أضابير الوزارة محلك سر، وأي وزير غير قادر علي إيجاد عقول جديدة تبشر بخير في التعليم، وتكون النتيجة عودة ريما لعادتها القديمة! يدخل الطلاب المدارس يتلقون نفس المناهج ويدخل المدرسون يلقنون أولادنا بنفس الأسلوب الذي هو الباب الملكي للدروس الخصوصية ونبحث عن جديد في التعليم فلا نجد وتخرج تصريحات جديدة للاستهلاك ويعود الصمت ويظل التعليم علي حاله وعلي المتضرر اللجوء للمدارس الأجنبية في مصر! المدارس الأجنبية "مهرها" كبير والقادرون فقط هم الذين يبحثون لأولادهم عن مستقبل علي مقاعد هذه المدارس.. ويقفز سؤال ذو دلالة هو بم تتميز المدرسة الأجنبية في مصر؟ الإجابة في عدة نقاط منها أن بناء المدرسة صمم ليكون بهجة للعيون وليس مدرسة حكومية اَيلة للسقوط بعد قليل لأن المقاول لم يكن ضميره صاحيا أثناء البناء وبالذات في خلطة الأسمنت! منها أن المدرسة الأجنبية فيها ملاعب ومساحات كأنها رئة للتنفس، بعد أن تحول "حوش" المدرسة الحكومية إلي مبان وفصول مكدسة ولم يجد الأولاد متنفسا لطاقتهم سوي لعب الكرة حتي منتصف الليل في الشوارع بعد أن مات مشروع كان اسمه الساحات الشعبية، وكان يستوعب هذه الطاقات.. منها أيضا أن المدرس في المدرسة الأجنبية محترم شكلا وموضوعا، مرتبه معقول ويفرض الاحترام ويعمل في ظروف حسنة عكس المدرس الحكومي التعبان الهفتان فاقد الاحترام كاره المهنة باحث عن الدروس الخصوصية أو المجموعات المدرسية علي أقل تقدير! التعليم في المدرسة الأجنبية في مصر لا يلجأ للأسلوب التقليدي التلقيني، ووظيفة هذا النوع من التعليم هي تعليم الولد أو البنت طريقة التفكير.. من هنا فإن التعليم الذي يوظف عقول أولادنا وأحفادنا في أسلوب تفكير يستحق تعظيم سلام والتعليم التلقيني يستحق صفعة.. ولست أقارن بين المدرسة الأجنبية والمدرسة الحكومية من باب المباراة، لكن من باب الفهم لظاهرة مهمة وهي أن غير القادرين يبيعون ما لديهم من أجل تعليم أولادهم "الاستثمار الحقيقي"، نعم أعرف كثيرين غيروا مسار أولادهم من التعليم الحكومي إلي التعليم في المدارس الأجنبية انجليزية أو فرنسية أو ألمانية، إنهم بهذا المسار الجديد يضمنون جودة التعليم بالإضافة إلي أنماط جديدة من التربية يمارسونها وهو المفتقد في المدرسة الحكومية. لقد كنت أزور عائلة أصدقاء وسألت عن "شادي" ابنهم الصغير البالغ من العمر 10 سنوات حيث تعودت أن أراه وينتقد برامجي علي الشاشة.. فقيل لي بزهو إن شادي في غرفة الانترنت! وظننت أنه يلعب بالجيم بوي فصححوا لي المعلومة: لا، شادي يجلس إلي النت! فسألت: هل يعرف كيف يتعامل معه؟ فقال لي والده: تدرب وصار يتعامل معه بسهولة..وقالت والدته: إنه يفاجئنا بمعلومات لا نعرفها نحن الكبار! ثم استطرد الأب يقول: إحنا نقلنا شادي من مدرسة إلي مدرسة أجنبية، أهم ما فيها أنه لا يوجد فيها حشو عقل الولد، ولا يحمل فوق ظهره زكيبة كتب وليس عليه يوميا واجبات تحرمه من اللعب أو ممارسة رياضة والأهم من هذا وذاك أن المدرسة نصحته بالبحث في النت عن أي كلمة يجهلها.. أي إنها ببساطة تدربه علي عملية تشغيل مخه وبلغة علمية "تعلمه التفكير". أنا تعلمت في مدرسة حكومية وكان عدد تلاميذ الفصل 28 تلميذا، وكان للمدرسة "حوش" وكان عندنا "نشاط اجتماعي" وكنا نعتني بأنفسنا وإذا ضبط محمد افندي فايق حذاء تلميذ لا يبرق طرده من الطابور.. وكانت المكتبة هي نبع المعرفة، وتعلمنا كيف نختار الكتب التي تتفق وميولنا مع أمين مكتبة مثقف ومعطاء.. هكذا كانت المدرسة علي اتصال كامل بالبيت ومجالس الاباء تجتمع بشكل دوري ولا يتخلف عنه أحد.. تلك كانت سمات المدرسة الحكومية التي علمت أبناء جيلي قبل أن يتدهور التعليم وتكون نتيجته: التسطيح! هل المدرسة الحكومية بظروفها الحالية وتكدسها بالتلاميذ وبفترتي تعليم قادرة علي أن تكون الوسيلة الأولي للتعلم هي تدريب أولادنا وأحفادنا علي التفكير وإنهاء زمن التعليم التلقيني.. الرديء؟! إنه حلم رأيت تباشيره في مدارس أجنبية داخل مصر.. وليست متحيزا للمدرسة الأجنبية بقدر ما أنا متحيز حقا للمدارس الحكومية المصرية.. هذا للعلم والإحاطة قبل أن تنصرف بعض العقول باتهامي بالانتصار للمدارس الأجنبية.. فأنا بوضوح شديد متحمس لتعليم له مردود علي الشخصية ولا يسطح العقول، اَفة تعليم زماننا.