تقليد رمضاني "مصري" ترسخ خلال السنوات الأخيرة وهو الاهتمام بالترفيه "النظيف" بعد تناول الافطار، وتزداد جرعة الترفيه والتسلية وتصل إلي الذروة في فترة ما بعد صلاة التراويح وقبل السحور. والترفيه الرمضاني والذي لا يتناسب في الأساس مع شهر رمضان؛ وهو شهر مخصص للعبادة والاستغفار؛ بدأ كتسلية في السبعينيات فكانت فوازير رمضان بالتليفزيون وحلقات ألف ليلة وليلة ومسلسلات ما بعد الإفطار في الإذاعة.. هم الأساس في ذلك الترفيه، وتطور الأمر في الثمانينيات واستحوذ التليفزيون علي الفوازير وحلقات ألف ليلة وليلة "المصورة" والمسلسلات الدينية والتاريخية وأيضا الدرامية. ومع ازدياد نفوذ التيار الديني في الثمانينيات والتسعينيات؛ والتركيز علي ان الترفيه والتسلية وإن كانا لا يستقيمان مع الشهر الكريم فهما أيضا يصلحان لتسلية الصائم قبل الإفطار وليس بعد الإفطار، وزادت الحلقات الدينية في المساجد وعادت الروح إلي مقارئ القرآن في المنازل وانتعشت تجارة المصاحف والكتب الدينية، وفي المقابل زاد التليفزيون وأيضا الإذاعة من جرعة الترفيه والإبهار بالعديد من برامج المنوعات والمسابقات والفوازير ذات الاستعراضات المتنوعة، والمسلسلات التي تميزت بالإنتاج الضخم. بل ان الفترة الحالية والتي بدأت مع الألفية الجديدة أي منذ عام 2000 وحتي الآن، ظهرت أماكن الترفيه التي اجتذبت أعدادا كبيرة من "الصائمين" وغير الصائمين بعد الإفطار فيما يعرف بالخيم الرمضانية في الفنادق و"الكافيهات" والتي تبدأ بتقديم برامج عديدة منها "الرقص" والغناء "المحتشم" علي دخان الشيشة "النظيفة"، وتنتهي بتقديم وجبة السحور "الحلال". وسحبت تلك الخيم البساط من تحت أقدام منطقة الحسين التي كانت ومازالت ملتقي رمضانيا متميزا. وفي مقابل عادات رمضان الترفيهية التي زادت عن الحد من برامج ومسلسلات وخيم وكافيهات اهتم المثقفون من خلال الاحزاب ومنتديات المجتمع المدني بتقديم وجبة ثقافية رمضانية لا تخلو من التفكير والمعارضة والنقد والرغبة في الإصلاح، من أجل نفي مقولة سلبية عن بعض المصريين، الذي يقال عنهم انهم يهتمون في رمضان بالأكل والترفيه لا بالعبادة والتفكير. وفي ضوء ذلك دعيت مساء الأربعاء الماضي كي ألقي محاضرة في أحد هذه المنتديات "الرمضانية"، فقد وجهت لي لجنة حزب الوفد بمنطقة شرق القاهرة بالتعاون مع جمعية حكماء مصر والتي يرأسها رجل الأعمال طه الشريف الناشط في حقوق الإنسان دعوة لأتحدث في ندوة حول "جهود الدولة في مكافحة الفساد خلال عشر سنوات (1996- 2006)، وهو مشروع كتاب "تحت الطبع" قمت بإعداده حول أبرز قضايا الفساد الاقتصادي التي تم ضبطها في السنوات العشر الأخيرة، ومنها قضايا الحباك والمسبوكات ونواب القروض ومافيا الآثار والمبيدات المسرطنة والريف الأوروبي وقد استعرضت الجرائم الجديدة التي تفرعت من تلك القضايا والتي لم تشهدها مصر من قبل مثل غسل الأموال والرشوة الجنسية. وقد استعرضت في الندوة أسباب ونتائج الكشف عن تلك القضايا ومدي تأثر التنمية والإصلاح الاقتصادي بسبب المليارات الضائعة والآثار السلبية للأموال المنهوبة علي محدودي الدخل ومستواهم المعيشي. وقد أثبتت المناقشات التي شارك فيها الحضور ان الشعب المصري مهموم بقضايا بلده ويعي تماما أهمية مكافحة الفساد واستكمال مراحل الاصلاح الاقتصادي، ومن بين هؤلاء الزملاء رفعت كامل بيومي ومحمد حسن والدكتور مصطفي النبراوي والشيخ محمد عبد الدايم والأستاذة صفاء حجازي والشاعرتان نفوسة توحيد وناهد فهمي.. وهؤلاء جميعا أثروا النقاش بفكرهم الثاقب واثبتوا حبهم الشديد لوطنهم ورغبتهم في تغييره للأفضل.