عندما اعتلي الرئيس البرازيلي لولا إيناسيو دا سيلفا رأس السلطة في بلاده عام 2003 ورث اقتصادا علي شفا الانهيار.. ولكن الأمور تغيرت اليوم وأصبحت الأوضاع الاقتصادية للبرازيل أقل ما يقال عنها أنها مستقرة في الوقت الذي سعي فيه دا سيلفا إلي الفوز بثقة الناخبين في البرازيل والبقاء في السلطة لفترة رئاسة ثانية في الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس الأول. وعندما استهلك دا سيلفا رئاسته للبرازيل منذ نحو أربع سنوات كان معدل التضخم في البرازيل واحدا من أعلي عشرة معدلات تضخم في العالم والأعلي في أمريكا اللاتينية وسعر العملة المحلية الريال في الحضيض حتي بات الأمر يشكل تهديدا لبقاء خطة إنقاذ الريال التي كانت قد انطلقت عام 1994 بهدف تحقيق الاستقرار للعملة البرازيلية. وخلال أقل من أربع سنوات تراجع معدل التضخم في البرازيل إلي 2.4% وأصبح البنك المركزي البرازيلي يشتري الدولار الأمريكي من الأسواق بصورة شبه يومية ليتراجع سعر العملة الأمريكية الخضراء أمام الريال البرازيلي من 5.3 ريال تقريبا عام 2002 إلي ما يتراوح بين 2.1 و2.2 ريال حاليا. والمفارقة أن هذه الطفرة الاقتصادية التي حققها دا سيلفا تتناقض كثيرا مع المخاوف التي سادت مجتمع المال والأعمال البرازيلي في أعقاب فوز المرشح اليساري دا سيلفا بالانتخابات الرئاسية.. ففي ذلك الوقت ساد قلق بشأن مصير الاستثمارات الأجنبية في البرازيل من ناحية ومصير الديون المستحقة للمؤسسات المالية الأجنبية لدي البرازيل من ناحية أخري.. فقد كان هناك اعتقاد سائد بأن دا سيلفا وحزب العمال اليساري الذي يقوده سوف يتوقف عن سداد الديون الخارجية وسيدخل في صدام مع مؤسسات التمويل الدولية بخاصة صندوق النقد الدولي. ولكن ما حدث كان مختلفا تماما فالرئيس دا سيلفا تمسك بخطة التقشف المالي التي كانت الحكومة السابقة تنفذها وهو الموقف الذي كان كافيا لتتدفق الاستثمارات الأجنبية من جديد إلي البرازيل. وقد نفذت حكومة دا سيلفا تحت إشراف وزير المالية في ذلك الوقت أنطونيو بالوشي حزمة من السياسات المالية للاستفادة من الموقف العالمي لاقتصاد بلاده الكبير في إطار تطبيق حملة ناجحة لإخراج الاقتصاد البرازيلي من نطاق التأثيرات الخارجية. وقد نجحت حكومة الرئيس البرازيلي الذي بدأ حياته كماسح أحذية العام الماضي في إسقاط 15 مليار دولار من ديونها بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي وسددت 6 مليارات دولار كانت مدينة بها لدول نادي باريس للدول الدائنة. كما نجحت البرازيل في تحويل جزء من الديون المستحقة عليها إلي سندات خزانة ذات أجل أطول وسعر فائدة أقل. وبفضل تلك السياسات الناجحة حققت البرازيل فائضا تجاريا خلال العام الماضي قدره 7.44 مليار دولار مع زيادة إنتاجها المحلي من البترول لتتقلص الواردات في الوقت الذي سجلت فيه الصادرات طفرة كبيرة. كما نجحت البرازيل في الاقتراب من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بفضل الخطة الطموح لتحويل قصب السكر الذي تنتجه البرازيل بكثرة إلي وقود لتسيير المركبات وهو وقود الإيثانول. ورغم ذلك فالصورة ليست وردية تماما.. فمازالت الحكومة البرازيلية عاجزة عن تحقيق معدل نمو قوي للاقتصاد البرازيلي حتي يمكن توفير المزيد من الوظائف الجديدة وهو أكثر ما يحتاجه البرازيليون حاليا في ظل معدل البطالة المرتفع ومستويات الفقر المتدنية.