كان الحزب الشيوعي الصيني يسارع الي قتل اية نقابات عمالية مستقلة ولكن الجديد انه حتي النقابات التابعة لهذا الحزب صارت في ازمة هذه الايام.. فحتي وقت قريب كان القطاع الخاص الصيني الصاعد وعماله يتجنبون هذه النقابات الحكومية علي الرغم مما يعانيه هؤلاء العمال من ظروف عمل صعبة واجور متدنية وساعات عمل اضافية اجبارية. والامر المدهش كما تقول مجلة "الايكونوميست" ان تتخذ متاجر وول مارت في الصين قرارا بالسماح لعمالها بتنظيم انفسهم في نقابات عمالية تدافع عن حقوقهم ومصالحهم. وقد تم اتخاذ هذا القرار الذي يشمل 31 الف عامل في وول مارت في يوليو الماضي ومنذ ذلك الحين لا تكف الصحافة الصينية عن الاشادة بهذه الخطوة. ومن المعروف ان وول مارت لم يكن يشجع مثل هذه الخطوة منذ دخوله الي السوق الصيني عام 1996 وهذه عادة لدي وول مارت في كل بلد يعمل فيه حتي في الولاياتالمتحدة بلده الاصلي فقادة الشركة يقولون ان النقابات غير ضرورية للعمال.. وتقول الصحف الصينية ان قيادة وول مارت غيرت رأيها بسبب ضغوط رسمية صينية أطلقها الرئيس الصيني هيوجنتاوخ وقت مبكر من العام الحالي وقد تم بالفعل يوم 29 يوليو الماضي تشكيل أول لجنة نقابية في متاجر وول مارت الصينية البالغ عددها 60 متجرا كبيرا وانشئت هذه اللجنة في متجر بمدينة كوانزهو الساحلية. والحقيقة انه لم توجه الي وول مارت اية اتهامات باساءة معاملة العاملين في متاجره وانما وجهت اليه تهمة خرق القانون الذي يحظر علي الشركات منع تنظيم العمال في نقابات وكان مسح قد اجري منذ عامين اوضح ان 10% فقط من المشروعات الاجنبية العاملة في الصين والبالغ عددها نصف مليون مشروع هي التي تسمح بتنظيم عمالها نقابيا. وقد كان وضع وول مارت من هذه المسألة موضع تدقيق بسبب ضخامة اسهامه في حركة الصادرات الصينية. فالارقام تقول ان وول مارت قد اشتري من الصين ما قيمته 19 مليار دولار في عام 2004 وهي تمثل 15% من جملة صادرات الصين الي الولاياتالمتحدة في ذلك العام حسب الاحصاءات الصينية وتمثل 10% فقط من هذه الصادرات حسب الاحصاءات الأمريكية. والسؤال المهم هو: ماذا عن باقي الشركات الاجنبية العاملة في الصين؟ واقع الامر ان بطء نمو النقابات العمالية في هذه الشركات نابع من عدم اهتمام العمال انفسهم اكثر مما هو نابع من معارضة قادة الشركات الاجنبية. فالنقابات في الصين يحكمها الاتحاد الصيني لنقابات العمال حيث يتعين علي كل نقابة اكتساب عضويته ومنذ عشرين سنة تقريبا عندما كان اقتصاد الصين كله تقريبا اقتصادا حكوميا كان غالبا كل العمال في المدن مقيدين في النقابات من خلال مصانعهم ومواقعهم الخدمية. وفي افضل الاحوال كانت هذه النقابات تلعب دور الوسيط بين الادارة والعمال اكثر من الدفاع عن الحقوق العمالية. وكانت قدرة النقابات علي المساومة محدودة لان الاضرابات وغيرها من وسائل العمل الجماعي كانت ممنوعة من الناحية العملية والفعلية ولابد ان نذكر ان حق الاضراب قد تم حذفه من الدستور الصيني الصادر عام 1982 وكان الدور البارز للنقابات هو تنظيم اعمال الترفيه عن العمال ومساعدة الحزب في التعرف علي معنوياتهم واتجاهات الرأي العام بينهم. ولكن منذ التسعينيات بدأ القطاع الخاص ينمو بسرعة في الصين بما في ذلك المشروعات الاجنبية كما اتسعت حركة اغلاق مصانع وشركات القطاع الحكومي وهذا حرم الحزب من خلاياه المنتشرة بين عمال المدن بعد ان خرج كثيرون منهم من طوق التنظيمات النقابية كما حرمه من تواجده في مواقع العمل علي النحو الشامل الذي كان سائدا من قبل بل ان اعضاء الحزب كفوا عن تشكيل خلاياهم في مواقع العمل الجديدة وانصرفوا الي احوالهم الخاصة. ونتيجة لهذه التطورات وغيرها تقلص عدد العمال النقابيين من 104 ملايين عامل عام 1995 ليصبح 87 مليون عامل فقط عام 1999 ونشط الحزب يحاول ان يستعوض قوة النقابات التابعة له فبدأ عدد العمال النقابيين يتزايد من جديد حتي بلغ نحو 140 مليونا في عام 2004. ويستهدف الحزب من تنظيم العمال في نقابات السيطرة عليهم كجزء من سيطرته الشاملة علي البلاد ومنع العمال من الاضراب أو النزول الي الشوارع في حركات احتجاجية تطالب بمزيد من الحريات والحقوق. كما ان تقوية النقابات الحكومية او الرسمية قليلا ستمنع تشكيل حركات أو نقابات عمالية مستقلة. فدرس نقابة التضامن البولندية في الثمانينيات من القرن الماضي وقيادتها للتغير الشامل في بولندا لايزال ماثلا في اذهان قادة الحزب الشيوعي الصيني. وقد تجدر الاشارة الي ان القانون يحتم علي كل منشأة خصم 2% من اجور العمال المنظمين لصالح نقابتهم يذهب 40% منها الي ميزانية الاتحاد العام لعمال الصين. وتشير الارقام الي ان حملة الحزب قد نجحت فمع نهاية عام 2004 كان هناك 55 مليون عامل نقابي في المنشآت غير الحكومية بزيادة 35% علي عام 2003 وبأربعة اضعاف ما كان عليه العدد في اواخر التسعينيات.. وفيما يخص الشركات الاجنبية فإنها بدأت تخضع هي الاخري وسوف تصل نسبة المشروعات الاجنبية التي تقبل وجود النقابات العمالية فيها الي 80% في عام 2007 القادم.