حكيم مصري نجيب محفوظ حكيم مصري تجري في عروقه الدماء العربية ليكتب جوامع الكلمة.. ويستخلص من التاريخ العبر.. ومن الرياض قطرات العطر.. ومن معالم المكان روح الانسان". كان نجيب محفوظ مثل شجرة تطرح ثمارها بانتظام كلما مدت جذورها في الأرض.. وكلما مدت جذورها في الأرض يصعب اقتلاعها.. وكان نجيب محفوظ لا يتوقف عن مد جذوره في التاريخ المصري والمجتمع المصري بعد أن أدرك سر قوته". أدب نجيب محفوظ جامع بين الحرية والعلم.. ولو قدر لنجيب محفوظ أن يرأس مجلة ثقافية لاشتملت علي العلوم الطبيعية بقدرما تشتمل علي العلوم الانسانية". نجيب محفوظ بردية النيل العربية اسم مهيب قبل أن يخلع الموت عليه رداء المهابة وقلم يحضر في الذاكرة والضمير بردية النيل الحافلة بأسرار المصريين في القرن العشرين. وبناء يرتفع في هندسة عجيبة مثل أهرامات الفراعنة.. لكنه ينتقل من هضبة الاهرامات ليستقر بجانب قلعة صلاح الدين.. من أين استمد نجيب محفوظ لنفسه هذه المكانة؟ من هندسة البناء التي اخذها من الفراعنة.. وجوامع الكلم من العرب.. والزهد من الصوفية.. والصمود الرواقي من فلاسفة اليونان.. والعلم من الحضارة الحديثة.. أم لأنه خاض بهذه الاسلحة معركة ضد الخرافة والجهالة والظلم.. ومن أين استمد لقلمه هذا التأثير؟.. من فوزه بجائزة نوبل.. أم لأنه تحدي الفوضي في حياتنا بالنظام.. واستمر يكتب بعد أن توقف الكثيرون.. فجعل للأدب وزناً في عصر التليفزيون.. وللفكر مكانة في عصر الاشرطة والفوازير.. وللعرب مكاناً في عصر النكسات.. وللثقافة الجادة دائرة واسعة من القراء. روح الجندية عاش نجيب محفوظ ثماني حروب.. شهد الحرب العالمية الأولي طفلاً والثانية شاباً.. وحرب 48 رجلاً.. وحروب 56 و67 و73.. إلي جانب حرب اليمن وحرب الخليج.. وهو يسير إلي الشيخوخة.. ولابد أنه اكتسب من هذه الحروب روح الجندية فتحول الأدب في رواياته إلي صراع بين قديم وجديد.. تتوالي معه الاجيال وتتطور المجتمعات.. أيام الاحتلال وأيام الاستقلال، كان ضوء عينيه يخبو والمرض يزحف علي جسده.. ولكنه لا يتوقف عن الكتابة ولا يطلب الهدنة أو يخلد إلي الراحة.. ولاشك أن استمرار نجيب محفوظ في الكتابة.. وخضوعه لنظام صارم في حياته أشبه بنظام الجنود ورسالته في الدفاع عن أفكاره.. هي من أسباب تأثيره وحضوره.. وفوزه بجائزة نوبل.. لكني اعتقد أن سر المكانة الكبيرة التي بلغها هذا الانسان البسيط يرجع إلي سبب بسيط هو ارتباطه بأرض بلاده.. كان نجيب محفوظ مثل شجرة تطرح ثمارها بانتظام كلما مدت جذورها في الارض.. وكلما مدت جذورها في الارض يصعب اقتلاعها.. وكان نجيب محفوظ لا يتوقف عن مد جذوره في التاريخ المصري والمجتمع المصري بعد أن أدرك سر قوته.. كان مثل "انتيه" في الأساطير اليونانية القديمة.. ابن الارض الذي لم يستطع هرقل ان يصرعه مادام متشبثاً بالارض.. وكان مثل سنوحي المصري في الاساطير الفرعونية الذي كافح في ايام اغترابه ليكون مثواه الاخير في ارض مصر.. لان ابتعاده عن ارض مصر يعني هلاكه.. ولهذا يقول نجيب محفوظ في حوار مع مجلة المصور المصرية بعد فوزه بجائزة نوبل: "انا لا اكره السفر.. ولكن مجرد التفكير في الخروج من مصر يشقيني الي ابعد حد.. بمجرد ان يحدثني احد عن السفر يتغير مزاجي واشعر بضيق".. وبقدر ما كان مجرد التفكير في السفر للخارج يشقيه لانه يقتلعه من جذوره.. كان لا يتوقف عن السفر في الداخل بين مدينتين تضربان بجذورهما في التاريخ.. القاهرة.. الاسكندرية.. وكم من اسفار قام بها في التاريخ والمجتمع والفكر والحضارة.. تفوق اسفار السندباد ورحلات ابن بطوطة.. إحياء الجذور ولد نجيب محفوظ يوم 11 ديسمبر 1911.. في حي الحسين قلب القاهرة المعزية.. لاسرة قاهرية يعود اصلها الي مدينة رشيد الساحلية.. ملتقي نهر النيل بالبحر الابيض.. ومن معالم الحضارة العربية الاسلامية في القاهرة المعزية رسم خطوط شخصياته ونحت عناوين رواياته.. ومن دكاكين العطارة ومحال الوكالة والمقاهي الشعبية اعطي للمجتمع المصري لوناً وعطراً ومذاقاً.. وهو يحكي تاريخه ويرصد تحولاته من بدايات هذا القرن قبل الحرب العالمية الاولي حتي السنوات الاخيرة من هذا القرن.. وقبل هذه المرحلة التي يسميها النقاد بالمرحلة الواقعية.. وهي مرحلة الحضارة العربية الاسلامية.. كان نجيب محفوظ قد اوغل في رحلة التاريخ المصري القديم.. وعاد من الرحلة بثلاث روايات هي عبث الاقدار ورادوبيس وكفاح طيبة.. واوشك ان يواصل هذه الرحلة بحثاً عن الشخصية الوطنية التي يتهددها الاحتلال الاجنبي.. مدفوعاً بطموح الادباء الذين يحاولون احياء الجذور امثال والترسكوت واسكندر ديماس الاب في الغرب.. وجورجي زيدان في مصر.. لكنه لم يلبث ان غير مسار الرحلة عندما نادته حضارته العربية التي ولد بين احضانها.. ليصور حي الحسين والجمالية..