يبدو مستقبل الهند في صورته الكلية مستقبل مشرق.. فقد قضت علي المجاعات وخفضت نسبة الفقر المدقع بأكثر من النصف.. كما أنها تحقق معدلات نمو أسرع من أي بلد اَخر حتي أن شركاتها الصاعدة بدأت تنشر أجنحتها لتحلق في الأسواق. وبعد أن كانت الهند توضع مع باكستان في خانة واحدة كبؤر للتوتر أصبحت توضع مع الصين باعتبارهما البلدين الكبيرين الذين يغيران الاقتصاد العالمي. ومن المرجح أن تكسب الهند السباق مع الصين في هذا المضمار لأنها البلد الأكثر شبابا إلي جانب كونها دولة ديمقراطية تبدو حظوظها هي الأفضل علي المدي البعيد. ولكن النظر في تفاصيل الوضع الهندي تعطينا، كما تقول مجلة "الإيكونوميست" صورة مختلفة حيث تبدو مشكلاتها أعمق وأعقد وأكثر إثارة لليأس، فبرغم كل إنجازات الهند نجد أن الفقر يطوقها من كل جانب حيث لايزال فيها 260 مليون نسمة يعيشون بأقل من دولارا واحدا في اليوم.. كما أن نصف أطفال الهند تحت سن 6 سنوات يعانون من سوء التغذية وأكثر من نصف النساء يعانين من الأمية ونصف بيوتها بلا كهرباء، وفي إحدي ولاياتها لا توجد حتي الطرق الممهدة التي تربط بين تجمعاتها السكانية.. وفوق ذلك كله فلا تملك الهند المال اللازم للاستثمار من أجل سد هذه النواقص وتعاني ميزانيتها من عجز كبير ومزمن كما أن الفساد يحول دون انتفاع الناس بما تحققه الحكومة من إنجازات. وفي أحدث تقرير أصدره البنك الدولي عن الهند في عام 2006 تحت عنوان "البناء علي نجاح الهند" يري التقرير أن هذا التناقض يدهش المراقبين من ثلاث زوايا الزاوية الأولي أنه يجعلهم يتشككون في التفاؤل بمستقبل الهند الاقتصادي، والثانية أنه برغم ما يحدث من ازدهار اقتصادي فإن أداء القطاع العام الهندي يسير من سييء إلي أسوأ. أما الزاوية الثالثة فهي ذلك التناقض المذهل بين تقدم الهند في أحدث تكنولوجيات المعلومات وبين تخلف نظامها التعليمي وما شابه ذلك من تناقضات مماثلة في بنية الاقتصاد والمجتمع الهنديين. ويحدد تقرير البنك الدولي مهمتين أساسيتين يتعين علي الهند إنجازهما المهمة الأولي هي إصلاح حال القطاع العام الهندي وبالذات في مجال الخدمات الأساسية. والمهمة الثانية هي المحافظة علي معدل نمو مرتفع وتوزيع ثماره علي مزيد من المواطنين الهنود.. ولاشك أن الفشل في هاتين المهمتين هو أكبر خطر يهدد مستقبل الهند. فالفشل في إصلاح القطاع العام سيحول دون تحقيق معدلات نمو مرتفعة ويعرقل جهود محاربة الفقر.. كذلك فإن زيادة عدم المساواة بين الأقاليم المختلفة وبين الريف والمدينة سيشعل التوترات الاجتماعية. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن نواقص القطاع العام الهندي واضحة في كل وظائفه، وعلي سبيل المثال فإن الحكومة الهندية ملتزمة بتوفير الخدمة الصحية لكل السكان ومع ذلك فإن الإسهام الحكومي في الخدمة الصحية لا يتجاوز ال 21% في حين أن هذه النسبة ترتفع في بلد مثل الولاياتالمتحدة إلي 45% ولذلك يضطر حتي فقراء الهند إلي العلاج لدي القطاع الخاص بل إن حتي تطعيم الأطفال ضد أمراض الطفولة تراجعت نسبته من 52% ليصبح 45% فقط خلال الفترة من 1999 حتي عام 2003. وبالمثل فإن نصف أطفال المدن الهندية يتعلمون في مدارس القطاع الخاص كما أثبت مسح جري علي المستوي القومي أن أقل من نصف مدرسي المدارس الحكومية هم الذين يحضرون إلي مدارسهم للقيام بواجبهم في تعليم الأطفال حتي إمدادات مياه الشرب النقية في المدن الهندية لا تتوافر سوي لبضع ساعات في اليوم وليس علي مدار الساعة كما هو مفترض. وتبدو خدمات القطاع العام أسوأ في المقاطعات الأفقر وهو ما يزيد هذه المقاطعات فقرا إذا ما قورنت بغيرها من المقاطعات الثرية التي تحقق معدلات نمو عالية وتتحسن فيها أيضا خدمات القطاع العام بصفة نسبية. ويمكن القول باختصار أن بعض أجزاء الهند يبلغ مستوي المعيشة فيها مستوي المعيشة في المكسيك، كما أن هناك أجزاء أخري ينتشر فيها الفقر والتخلف شأنها في ذلك شأن دول أفريقيا جنوب الصحراء. أكثر من ذلك فإن الهند بلد لعدم المساواة المتزايدة والتمييز ضد المرأة فيه واضح تماما حتي منذ الطفولة.. فالطفل يلقي رعاية صحية واجتماعية وأفضل من الطفلة التي تكون عرضة للموت بين عامها الأول وعامها الخامس بنسبة 40% أكثر من الأطفال الذكور. وكل هذه الحقائق تدعونا إلي الشعور بالحزن لحال الهند ولكن ما يدعونا إلي التفاؤل هو أن الحكومات الهندية في السنوات الأخيرة وعلي رأسهم الحكومة الحالية تعرف أولوياتها بوضوح تام وتستثمر في البنية الأساسية والصحة والتعليم وتحسين الإنتاج الزراعي كما تفتح الباب أمام القطاع الخاص للعمل والإنتاج من أجل مستقبل الهند.