في فيلم "حليم" نتوقف امام ظاهرة سينمائية جديدة تحدث لأول مرة في مشوار السينما المصرية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة فهو فيلم خارج السباق الفني والفكري للتيار السينمائي المصري السائد وان كانت هذه الظاهرة قد بدأت في فيلم "عمارة يعقوبيان" الذي انتجته ايضا شركة جودنيوز وهي نفس الشركة التي قامت بانتاج فيلم حليم. الفيلمان كانا مفاجأة حقيقية لجمهور السينما في مصر لأنهم لم يتعودوا منذ سنوات طويلة علي مشاهدة افلام جندت لها امكانيات فكرية ومالية هائلة لم تحدث في أي فيلم وقد ترجمت هذه الامكانيات في تقديم فيلمين احتويا علي كم هائل من الابهار الذي يشد المشاهدين ويغزو وجدانهم بل يتفجر كقنبلة داخلهم في تحقيق أمنية كانت كامنة في داخل كل انسان يرغب في سينما حديثة لا تقل بأي حال من الأحوال عن الافلام العالمية التي يشاهدها سواء علي شاشات العرض أو علي القنوات التليفزيونية او الفضائية. تغير جذري وفيلم حليم هو الفيلم الثاني من انتاج جود نيوز التي حققت مبدءا مهما هو تغيير جذري في اسلوب السينما المصرية. ورغم ان فيلم حليم آخر افلام الفنان الراحل أحمد زكي الا انه ا ستطاع ان يحقق تواجدا كبيرا للغائب الحاضر.. مؤجوده كان حاضرا في كل لقطة من لقطات الفيلم.. والذي يشد الانتباه إلي الفيلم أنه لأول مرة يتم تقديم سيرة ذاتية لفنان في السينما المصرية مع استبعاد والسير الذاتية التي قدمها المخرج يوسف شاهين في مشواره الفني.. وايضا قد تكون دراما السير الذاتية للفنانين سبقا وان تم تقديمها في مسلسلات تليفزيونية إلا أن السينما تختلف تماما عن الدراما التليفزيونية. والسيرة الذاتية لعبد الحليم حافظ تختلف عن أي سيرة لفنان آخر لأنه لا يزال يعيش بيننا رغم مرور أكثر من ثلاثين عاما علي رحيله في أعماق الانسان المصري والعربي حيث لا تزال الاغاني سواء العاطفية أو الوطنية التي قدمها في المناسبات تسيطر علي احساس الانسان العربي. وهذا ما جعل حليم الذي جسد دور الفنان الراحل أحمد زكي بكل امكانياته الفنية الهائلة ان تجذب الجماهير إلي مشاهدة الفيلم. لقد حقق فيلم حليم المعادلة الصعبة في السينما المصرية من حيث تجنيد الامكانيات المادية لصالح الابهار الفني الذي ظهر واضحا في الفيلم. وقد جاء اختيار سيناريو متميز إلي جانب مخرج لديه امكانيات هائلة تقف وراء كيان انتاجي كبير إلي تقديم عمل فني كبير. لقد ساعدت الامكانيات المادية في استخدام الجرافيك في الفيلم وهو مكلف بشكل كبير وهو أحد العوامل المهمة في اظهار الابهار في الفيلم لأن الابهار هو اللغة السائدة الآن في السينما العالمية. يشعرك بأنه ثم تصويرها أثناء تصوير الفيلم وقد نجح مخرج الفيلم في تحقيق المصداقية لدي المشاهد عند متابعته لهذه المشاهد. نجاح مبهر لقد وظف مخرج الفي استخدام الجرافيك في الفيلم خاصة في الاغاني التي قدمها الافلام التي قام ببطولتها عبد الحليم حافظ توظيفها فنيا وقد يحاول البعض التشكيك في أن الفنان "أحمد زكي" لم يكن في كامل قواه الابداعية إلا أن ذلك كان مطلوبا لفيلم يتعرض للعندليب الاسمر عبدالحليم حافظ الذي كان يعيش في صراع قامين مع المرض طوال مشواره الفني وكان جسدا منهكا منذ أن ذاعت شهرته.. وجاءت المصداقية حيث إن أحمد زكي الذي كان يعيش في صراع مع المرض أثناء تصوير فيلم "حليم".. لأنه لو كان في كامل قواه الصحية لما استطاع أن يحقق المصداقية التي جاءت في تجسيد شخصية "حليم" ولذلك يصل التعاطف الصادق إلي قمته في مشاهد لحظات الموت التي جسدها "أحمد زكي" بكل الصدق التي جعلت المشاهدين خاصة من السيدات والفتيات والشبان وهم يذرفون الدمع بحيث تسيطر علي قاعات العرض ولفترة طويلة البكاء الحار من الجميع من خلال هذه المشاهد.. وهو أعلي قمة النجاح في الفيلم. وإذا كان البعض يشير بان الفيلم توثيق لمشوار عبد الحليم حافظ الا ان ذلك ليس صحيحا فالفيلم دراما انسانية عن فنان عاش ولايزال يعيش ويسيطر علي عقول وقلوب الانسان المصري والعربي... فقد حرص الفيلم علي الدقة في تفاصيل الاحداث التي مرت علي عبد الحليم حافظ لان المعاصرين لعبد الحليم حافظ هم الذين يستطيعون الحكم علي صحة الاحداث وخطأها.. اما الذين يصدرون احكامهم علي مجرد السماع من الاخرين فانهم يخطئون. لقد استطاع فيلم "حليم" آخر افلام الراحل احمد زكي أن يحقق عدة اشياء اولها تغيير الشكل التقليدي التي يتم فيها تقديم سيرة ذاتية لفنان وهو ما تقدمه الدراما التليفزيونية لان لكل منها اسلوبها في التعامل.. وثانيها تحقيق المعادلة الانتاجية في السينما وهي توفير الامكانيات المادية لحساب الامكانيات الفنية وهو ما حدث فعلا في الفيلم.. ثالثها انه غير مفهوم لدي جمهور السينما فهو فيلم خارج السياق الفكري والفني للتيار السينمائي السائد منذ سنوات في السينما المصرية.. رابعها انه اعاد الثقة بالسينما المصرية التي تبددت من خلال الموجات الهابطة التي قدمتها السينمافي السنوات الاخيرة من القرن الماضي. نخلص من ذلك كله ان فيلم "حليم" ثورة حقيقية ليغير شكل وسيرة الفيلم السينمائي في مصر والعالم العربي.