التعديلات المقترحة علي بعض مواد قانون العقوبات بغرض الغاء عقوبة الحبس في جرائم النشر من جانب نقابة الصحفيين لم تأخذ بها الحكومة في مشروع القانون الذي يناقشه مجلسا الشعب والشوري لاصداره في غضون ايام. مشروع الحكومة تجاهل بعض النقاط التي تمسك بها الصحفيون، ومشروع النقابة كفل حماية كاملة للصحفيين من الوقوع تحت طائلة القانون بسبب النشر ولكن في نهاية الامر التعديلات ستكون لصالح الصحفيين ولصالح مهنة الصحافة التي اتسع مجال العمل بها وتزايدت اعداد الصحف واعداد الصحفيين بصورة غير مسبوقة. والحقيقة انه من حق نقابة الصحفيين ان تدافع الي اقصي مدي عن حقوق الصحفيين وتطالبهم لهم بحصانة ضد الحبس وخاصة في القضايا التي تتناول فساد بعض المسئولين او الشخصيات العامة والتي تطرحها الصحافة بوصفها مرآة للرأي العام لا يمكن ان تتعامل مع الموضوع كجهة تحقيق قضائي يستطيع الاطلاع علي جميع المستندات او يطلب التحريات من الاجهزة الرقابية ولكن الصحفي يتابع الموضوع من خلال قنوات الرأي العام ويمسك بطرف خيط يواصل جذبه حتي ينتبه المجتمع لضرورة التحقيق في موضوع ما. وهنا يأتي الخلط بين القانون الذي يحمي حقوق المواطن من ان يتناوله قلم بالتجريح الشخصي مما يعتبر قذفا او سبا وبين حماية القانون للمفسدين. والحقيقة انني لا اوافق مطلقا علي طرح الموضوع بهذا الشكل وهو ان مواد القانون تحمي المفسدين او انها تكرس حماية الفساد لان هذا الاتجاه يدعم فكرة فساد الدولة وميلها الي حماية المفسدين وهذا التصور اعتبره رؤية غير سليمة وغير نافعة لمصلحة المجتمع ككل. والعبرة هنا في تحديد معالم جريمة النشر وابعادها عن العبارات المطاطة وعدم اللجوء الي الحبس كعقوبة الا اذا كان هناك قصد واضح وسوء نية لا يقبل اثبات العكس فيما لا يتعلق بحرية الرأي او النظرة السياسية او الرؤية العامة لاداء الحكومة او موظفيها، والاتجاه الي الغاء عقوبة الحبس يجب ان يكون هو سيد الموقف، واعتقد ان التعديلات اخذت هذا الاتجاه وحذفت كثيرا من مواد الحبس الوجوبي كما حذفت الحد الادني للعقوبة بالحبس في مواد اخري تتعلق بوقائع محددة بدقة. وفي نهاية الامر فان مهنة الصحافة كلما ازداد حجم الحرية التي تتمتع بها كانت هناك حاجة الي ضوابط تحول دون الاستخدام السيئ لاداة شديدة الخطورة في المجتمع وعلي ذلك فالنظرة المتوازنة لجانبي الموضوع جعلت مشروع الحكومة يختلف عن مشروع الصحفيين ولكن القواسم المشتركة كثيرة ومفيدة للغاية وهي في مصلحة الصحفيين ومصلحة المهنة التي يجب ان يتميز العاملون بها بالدقة وعدم الخلط بين النقد ومعالجة القصور في الاداء العام والتوجيه السياسي للمجتمع، وبين التهجم علي الناس دون سند ولاغراض بعيدة كل البعد عن الهدف الاسمي لمهنة الصحافة.