الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية، كان ضيف الحلقة الأخيرة من برنامج الدكتور عمرو عبد السميع "حالة حوار". وفي سياق مناقشتنا معه حول مختلف جوانب السياسة المالية لحكومة احمد نظيف سأله الزميل عبد الله كمال رئيس تحرير "روزاليوسف" عن تأثير المعونة الأمريكية علي السياسة والاقتصاد المصريين. وكان رد الوزير بسيطا وسريعاً : إن حجم المعونة الاقتصادية الأمريكية حوالي 400 مليون دولار وحجم الميزانية المصرية حوالي 10 مليارات دولار.. وبالتالي فان حجم تأثير المعونة الأمريكية هو نسبة 400 إلي 10 آلاف. ولأن موضوعات النقاش كانت كثيرة ، ولم تكن المعونة الأمريكية هي محور الحوار ، فان إجابة الوزير مرت دون تعقيب. فهل تأثير "المعونة الأمريكية" بهذه النسبة التافهة حقاً؟! وهل تأثير "المعونة الأمريكية" ببساطة إجابة يوسف بطرس غالي فعلاً؟! سأحاول تقديم إجابة علي هذين السؤالين من خلال قراءة لكتاب صادر حديثاً بعنوان "المساعدات الأمريكية لمصر.. خفايا مفاوضاتها والدروس المستفادة" وقد اخترت هذا الكتاب - بالذات - من بين العديد من الكتب والدراسات والأبحاث والأدبيات المتعلقة بهذا الموضوع - لسببين : السبب الأول أنه أحدثها. لكن السبب الثاني والأهم أن مؤلفه، الدكتور حسن محمد سليم، فضلاً عن خبرته الأكاديمية بالتدريس وإعداد البحوث في الجامعات "الأمريكية"، وتمرسه الطويل في مجال التمويل الدولي وتقييم المشروعات، يتمتع بخبرة "عملية" امتدت لاثني عشر عاما عمل خلالها كرئيس للقطاع الأمريكي بوزارة التعاون الدولي. وكتابه يعتمد علي هذه الخبرة العملية من داخل حلقات التفاوض التي عاش داخلها، سواء مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالقاهرة، أو أثناء زياراته المتكررة للكونجرس الأمريكي، والإدارة الأمريكية بواشنطن، الرجل إذن ليس من فصيلة الأكاديميين المتفرغين للتنظير بعيداً عن الواقع، كما انه ليس من فئة "العقائديين" الذين يمكن اتهامهم بالانحياز الأيديولوجي. وهو "شاهد شاف كل حاجة" بحكم وظيفته. فما الذي شاهده ورآه؟! وكالة لها بواب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID ليست "وكالة بدون بواب"، بل لها "بوابون" أشداء وسياسات صارمة.يرجع تاريخ "الوكالة" إلي مشروع "مارشال" لتعمير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والي برنامج النقطة الرابعة للرئيس الأمريكي هاري ترومان. وفي عام 1961 وقع الرئيس جون كنيدي علي قانون المساعدات الأجنبية وإنشاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ومنذ ذلك الوقت أصبحت "الوكالة" هي الجهة الأمريكية الرئيسية لمنح "المساعدات" إلي الدول التي خرجت من ويلات الحروب وتحاول الفرار من الفقر والتحول الي "الإصلاحات الديمقراطية"، وهي وكالة مستقلة للحكومة الفيدرالية الأمريكية، وتتلقي توجهات السياسة الخارجية من وزير الخارجية. وتغطي أنشطة "المساعدات" التي تقدمها الوكالة أربع مناطق جغرافية في العالم هي: أفريقيا جنوب الصحراء، وآسيا والشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية ودول حوض الكاريبي، وأوروبا واستراليا. ومنذ عام 1975 بدأت الوكالة نشاطها في مصر، ونشطت بدرجة كبيرة بعد توقيع معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل، وتوجد لدي مصر اكبر بعثة للوكالة الأمريكية في العالم بأسره. ومنذ 1/10/1975، وحتي نهاية يونيو 2005 بلغ حجم المساعدات الاقتصادية (التعاقدات) التي حصلت عليها مصر من الولاياتالمتحدةالأمريكية مبلغ 26.2 مليار دولار، منها 22.4 مليار دولار في نطاق صندوق الدعم الاقتصادي، و 3.8 مليار دولار في نطاق قانون فائض الحاصلات الزراعية .وعموما يتم تقديم "المساعدات" الأمريكية من خلال أربعة برامج. 1- برنامج التحويلات النقدية: ويهدف أساسا إلي دعم ميزان المدفوعات وذلك في الفترة من 1989 الي 1992 ومنذ 1992 أضيفت إليه أغراض جديدة في الاستخدام تتمثل في شراء سلع أو معدات منشؤها ومصدرها الولاياتالمتحدة ، وكذلك سداد ديون علي الحكومة المصرية للولايات المتحدة، يتم بمقتضاها الحصول علي 200 مليون دولار سنويا تتاح مبالغها علي شرائح تعتمد علي مؤشرات اقتصادية لتنفيذ برنامج "الإصلاح" الاقتصادي المتفق عليه مع كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في قطاعات التمويل والمالية والتجارة الخارجية وقطاع الأعمال العام وخلافه.